خبراء الطب النفسى: تجاوزات الأمناء ناتجة عن مناهجهم القديمة.. وتعبر عن فشل المفاهيم الأمنية
تجاوزات أمناء الشرطة فى الفترة الأخيرة سببها غياب المحاسبة السريعة
اتفق عدد من خبراء وأساتذة علم النفس والاجتماع على ضرورة تغيير مفاهيم جهاز الأمن فى مصر، الموروثة من عقود طويلة، وهى أن فرد الأمن يتسبب فى تخويف المواطنين، وليس فى طمأنتهم وحمايتهم، واعتبروا التجاوزات التى صدرت من بعض أمناء الشرطة خلال الفترة الأخيرة، تعبر عن فشل المفاهيم الأمنية فى التعامل مع شعب انفتح على العالم، ولم يعد لديه قبول بالانغلاق والانقياد أمام سوط الأمن، مؤكدين أن مصر لديها الخبراء القادرون على تقديم الدورات اللازمة لتأهيل أفراد الأمن المصرى للتعامل مع المواطنين فى الشوارع، بما يحقق له القدرة على تنفيذ وتطبيق القانون دون الاحتكاك العنيف والصراع المباشر مع المواطنين بطريقة تؤجج غضب الشعب، وتنتقص من كرامته، وأنه بالفعل نفذت هذه المبادرات بعد ثورة 25 يناير، إلا أنها لن تؤتى بثمارها لعدم استمرارها، وسيطرة الإطار القديم للمفاهيم الأمنية فى جهاز الأمن.
«زايد»: قدمنا مبادرات تثقيفية بعد ثورة يناير وفشلت.. و«سامية»: يحتاجون «كورسات» لكيفية التعامل مع الجماهير
وقال الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن ظاهرة التعديات والتجاوزات التى ظهرت مؤخراً من أمناء الشرطة، ليست نتيجة مباشرة لظروف جديدة، وليست وليدة اللحظة ولكنها مرتبطة بمفهوم الأمن فى مصر، وهو مفهوم قديم جداً من قبل ثورة 1952، وهو أن رجل الأمن يركب الخيل ويسير فى الشارع بهيبة ويخشاه الناس، وهو مفهوم ما زال مؤثراً على رجل الأمن فى مصر، مشيراً إلى أن ليس كل أفراد وأمناء الشرطة ورجال الأمن يعتمدون هذا المفهوم ولكنه هو المفهوم السائد الآن فى المنظومة الأمنية، وأنه جرى توجيه مبادرات لتغييرها عقب ثورة 25 يناير، ولعقد مصالحة مع الشعب، وعقدت مؤتمرات لتثقيف رجال الأمن، وأنه تم تقديم مدونة فى السلوك الأمنى شارك فيها أساتذة جامعات ومتخصصون وخبراء أجانب قدموا من ألمانيا لوضع بنود سلوك أمنى متحضر، قائم على التعامل الأمثل بين رجل الشرطة والشعب، إلا أنها لم تؤت بثمارها نتيجة سيطرة الإطار القديم والعقلية الأمنية القديمة التى اعتادوا عليها.
«سناء»: ما يحدث حالات فردية وهى نفس التجاوزات التى تصدر عن فئات أخرى فى المجتمع مثل الأطباء والأساتذة وغيرهم
وأضاف «زايد» أن المجتمع انفتح الآن على العالم واطلع على الشعوب التى يحترم فيها رجال الأمن أفراد الشعب ويعملون جاهدين على حمايتهم وتقوية إحساسهم بالأمان والدفاع عنهم ضد أى ظلم يتعرضون له، وأن المواطن بمجرد أن يرى فرد الشرطة يشعر بالأمان ولا يكون قلقاً أو متخوفاً من أى تجاوزات تصدر خلال التعامل معه، مؤكداً ضرورة تغيير التراث القديم لمفاهيم الأمن فى مصر، من خلال تثقيف أمناء الشرطة المتعاملين والمحتكين مع أفراد الشعب، متابعاً: «لا بد من تعليم الأمناء وتكوينهم على أسس جديدة، وضم كثير من الشباب فى المنظومة الأمنية بفكر جديد وتعليم الفئة القديمة المفاهيم الحديثة للأمن والتعامل مع المواطن، منها «إنك بتشغل عدد كبير من الشباب وبتغير أساليب التدريب، ودولة زى الإمارات بتعمل كده، ورجل الأمن فيها بيروح الجامعة يسأل ويتعلم»، موضحاً أن ليس كل أفراد الأمن متجاوزين، لكن الجميع فى هذه المنظومة فى حاجة إلى تعلم منهج جديد قائم على العدالة الجنائية واحترام المواطنين وضبط الناس وتطبيق القانون بطريقة مثلى.
وقالت الدكتور سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن منظومة أمناء الشرطة تحتاج إلى تدريبات وكورسات مكثفة ومستمرة، قد تصل إلى كل شهر أو شهرين، يتلقون فيها أساسيات التعامل الأمثل مع الجماهير، وكيفية تجنب الاحتكاكات والصراعات مع أفراد الشعب، قائلة: «زى فئة الطيارين بيتم الكشف عليهم كل شهر وبيراجعوا مهاراتهم وتنميتها، وده لازم يكون بشكل مستمر مش بس فى وقت المعهد، لأن الدراسة حاجة والتعامل فى الميدان حاجة تانية»، مشيرة إلى أن مصر لديها الخبراء فى هذا المجال وقادرون على تنمية مهارات أمناء الشرطة وتثقيفهم، منتقدة دور الإعلام فى تهييج الرأى العام على تجاوزات من بعض أفراد الشرطة فى حين أن الإعلام فى الخارج بيعالج القضايا بشكل ناجح وبطريقة جيدة، وأنه فى الوقت التى تقوم فيه الدولة بالعديد من المشروعات القومية التاريخية إلا أن الإعلام يركز على قضايا تؤدى إلى إثارة الشعب والرأى العام وأمور ليست ذات أهمية، متابعة: «الإعلام مشعلل الدنيا على قصة أمين الشرطة وفيه إعلاميين ناقشوا السلوك السيئ لنساء الصعيد، وكل هذا ليس فى صالح المجتمع المصرى، ولا بد من مناقشة الأمور بموضوعية وعلمية».
وتقول الدكتورة سناء سليمان، أستاذ علم النفس بكلية البنات جامعة الأزهر، إن ما جرى خلال الفترات الماضية هو حالات فردية من بين قرابة 350 ألف أمين شرطة، وهى نفس التجاوزات التى تصدر من فئات أخرى فى مجتمعنا من أطباء ومحاسبين ومعلمين وأساتذة جامعات، قائلة: «مش بنسمع عن الطلبة اللى بتغيب عن المدارس والمدرسين يلفوا عليهم فى البيوت، ومش بنسمع عن المحاسب اللى اختلس ملايين من البنوك وهرب، ودى بتبقى حالات فردية برضه، لكن التركيز على فئة واحدة يعتبر أمراً غير صحيح»، مشيرة إلى أن السبب فى التجاوزات التى تصدر من بعض أمناء الشرطة أو بعض أفراد الفئات الأخرى ناتج عن غياب الأحكام السريعة والعدالة الناجزة، متسائلة عن كم عدد الأحكام التى صدرت ولم تنفذ، وكم المدة التى تستغرقها الأحكام لحين صدورها، مطالبة بتطبيق القانون الذى سيقى المجتمع من تجاوزات متكررة فى كل قطاعات الدولة وليس فى المنظومة الأمنية فقط.