«فنادق وكافيهات ويخوت» خالية من السياح بسبب المصريين.. وصاحب فندق: 44 فندقاً توقفت عن العمل
السياحة الداخلية أضرت بالمدينة بدلاً من نفعها
داخل مقهى بدوى على «مشاية البحر» بشارع خليج نعمة، جلس محمد حلمى، مدير المقهى، أمام حفرة مشتعلة بنيران الحطب، ينتظر دخول الزبائن منذ لحظة غروب الشمس، وحتى اقتراب عقارب الساعة من الحادية عشرة مساء، دون أن يحدث ذلك، الأمر الذى دفعه للوقوف أمام المقهى، ومحاولة جذب مجموعة زائرين من رحلة مصرية، جاءت من محافظة أسوان للتنزه فى مدينة شرم الشيخ، وأبلغ قائد الرحلة أن «أى مشروب فى القهوة بعشرة جنيه»، الأمر الذى اعترض عليه الـ«قائد» قبل أن يتفقا على سعر 5 جنيهات للمشروب.
يقول «حلمى» البالغ من العمر 35 عاماً، إن ليالى عديدة تمر على المقهى الذى يديره دون أن يدخله زبون واحد، نتيجة حالة الحظر المفروضة على السياحة فى شرم الشيخ، عقب حادث سقوط الطائرة الروسية، باستثناء بعض الدول مثل «أوكرانيا وبلجيكا»، وهؤلاء بطبيعة الحال يأتون بأعداد قليلة حتى من قبل الحادث، ما دفعه إلى تصفية أكثر من 75% من العاملين لديه فى المقهى، بعد عجزه عن سداد رواتبهم.
حالة الكساد التى ضربت «خليج نعمة» بصفة خاصة -من وجهة نظر الشاب الثلاثينى- أنتجت ما يسمى بـ«سمسار السائحين»، وهو شخص يصطحب مجموعة من الزبائن لمقاهٍ ومطاعم بعينها، فى مقابل الحصول على نسبة تزيد على 20% من قيمة حسابهم، إضافة إلى عدم دفع ثمن ما يأكله أو يشربه، وعلى الرغم من عدم أحقيته فى تلك المبالغ التى يتحصل عليها، فإن سوء الأوضاع يجبر العاملين فى «خليج نعمة» على القبول بتلك السمسرة: «علشان الأماكن تفضل مفتوحة بدل ما تتقفل خالص، بنقول نشتغل بأى حاجة تضمن إن المكان يفضل مفتوح، وعلى الحال ده بقالنا أكتر من 6 شهور، يوم ما نقدر نجمع رواتبنا ومستلزمات المكان بنبقى فى غاية السعادة والفرح».
عشرات المقاهى بجوار عدد من المطاعم والبازارات، تراصت بجوار بعضها البعض، على جانبى مشاية «سنافير» بشارع خليج نعمة، يقف أمامها عدد من الشباب، يحاولون جذب الزبائن، وسط أصوات الموسيقى الشعبية الصاخبة، وشاشات العرض التليفزيونية ضخمة الحجم.
من هؤلاء الشباب، على السيد، مسئول أحد الكافيهات، الذى يداوم على الوقوف منذ الساعة الرابعة عصراً وحتى أذان الفجر يومياً: «المشاية» تحولت إلى ما يشبه شوارع «وسط البلد» فى القاهرة، نتيجة توافد الرحلات الداخلية عليها، وعلى الرغم من كثرة أعداد الوافدين المصريين على خليج نعمة الذى يسبب الزحام اليومى، فإن الغالبية العظمى منهم يأتون باحتياجاتهم من الطعام والشراب من خارج الشارع، ويجيئون إلى هنا لتناولها، لتصبح المحصلة النهائية لأصحاب المحلات والكافيهات «صفر»، لأن عقيدة الوافد المصرى ممتلئة بمعلومات مغلوطة عن استغلال البائعين له واحتمالية النصب عليه، لذلك يكون حريصاً ولا يقترب لشراء أى شىء من الشارع.
يرى الشاب أن رحلات المصريين إلى شرم الشيخ قد تسبب آثاراً عكسية على السياحة والعاملين فيها، ومن الممكن أن تصبح مصدر «تطفيش» لما تبقى من الأجانب، نتيجة بعض ممارساتهم السيئة، والنظر إلى السائحات على أنهن صيد مباح، وفى حالة فك الحظر عن السياحة، يتوجب على أصحاب الفنادق التوقف عن العروض الخاصة التى يقدمونها للرحلات الداخلية بالاشتراك مع وزارة السياحة وبعض الهيئات الرسمية لتنشيط السياحة، لإفساح المجال مرة أخرى لعودة الأجانب، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم، التى انحدرت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، نتيجة ضعف المقابل المدفوع فيها.
«خضراوات وفواكه، ملابس، أحذية، ومقاهى شعبية»، وغيرها من محلات التحف والتذكاريات رخيصة الثمن، التى تمتلئ بـ«ماكيتات» بلاستيكية للأهرامات وأبوالهول، وبعض البرديات المُقلدة والملابس ذات الطابع المصرى، التى يقصدها السائحون على اختلاف جنسياتهم، داخل السوق التجارى القديم بمدينة شرم الشيخ، الذى يعانى من غياب الزبائن على مدار اليوم، باستثناء بعض المقاهى الشعبية التى تستقبل العمال المصريين وبعض سكان المدينة فى المساء.
«زمان السوق ده ماكنتش تعرف تدخله على رجليك، مش بالعربية، كان الواحد يمشى فيه بجنبه من كتر الزحمة، علشان كده إيجار المحل الـ15 متر ارتفع من 350 جنيه فى 2005 إلى 16 ألف جنيه شهرياً فى 2009»، هكذا يرفض مسعد الصاوى، صاحب محل ملابس، بشارع السوق التجارى القديم بشرم الشيخ، سؤاله عن حال السياحة حالياً، والحلول التى من شأنها إعادتها إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير مرة أخرى: «مابقاش فيه سياحة، ممكن تقول أخبار خراب البيوت إيه؟ الناس اللى كانوا شغالين هنا بقالهم 20 سنة سابوا البلد ونزلوا بعد أما مبقوش قادرين يكسبوا تمن أكلهم وشربهم، فما بالك بقى ببيوتهم المفتوحة اللى اتعودت على مستوى معيشة معين، ودلوقتى مابقوش قادرين يوفروا ربع المستوى ده».
يضيف «الصاوى» صاحب الـ60 ربيعاً، أن «عودة السياحة لما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير أصبحت فى نطاق المستحيل، خاصة بعد سقوط الطائرة الروسية والإعلان عن أن سبب تفجيرها جاء نتيجة عمل إرهابى وتقصير أمنى من قبل العاملين بمطار شرم الشيخ الدولى، لأن الأشهر التى سبقت تفجيرها، كانت شرم الشيخ تعيش على السائح الروسى، الذى كان يقضى فيها عدة أشهر خلال السنة، فكان طول المدة الزمنية التى يمكثها يعوض عدم رغبته فى الإنفاق»، كذلك يشير إلى أن محاولات استبدال تلك السياحة بالرحلات الداخلية المصرية مضيعة للوقت: «المصرى معروف إنه مابيحبش حد يكسب من وراه، علشان كده اليومين تلاتة اللى بييجى يقعدهم هنا بيبقى جايب أكله وشربه معاه، ولو نزل السوق بيبقى جاى يتفرج ويتصور، ويقعد ساعة يقلب فى البضاعة ووقت الجد يسأل على حاجة مش موجودة علشان مايشتريش بدون إحراج».
عاصم أبوزيد، صاحب معرض لتأجير السيارات بالسوق التجارى القديم، اضطر إلى تغيير نوعية السيارات الفخمة التى كانت تزين معرضه على مدار السنوات الماضية، واستبدلها بـ«موديلات» قديمة لا تزيد قيمة إيجارها على 150 جنيهاً يومياً، حتى يتمكن من العمل والتحصل على قيمة إيجار المحل وأجور العاملين به الذين خفّض أعدادهم لأكثر من النصف، نتيجة عدم قدرته على سداد مستحقاتهم، فرأى أن يرفع عن نفسه وعنهم حرج بقائهم للعمل فى معرضه دون تقاضى رواتبهم الشهرية فى موعدها المحدد.
«أبوزيد» يؤكد أن بعض الأجانب الذين يزورون المدينة على مدار الشهور القليلة الماضية، ومعهم بعض المصريين، يأتون إليه لاستئجار سيارات لمدد زمنية تتراوح ما بين يومين حتى أسبوع، وعندما يخبرهم بقيمة الإيجار، كانوا ينصرفون على الفور، دون أن يكملوا حديثهم معه بحجة أن المبلغ المطلوب يعتبر خيالياً بالنسبة لهم، الأمر الذى دعاه لاستبدال تلك السيارات بموديلات أخرى «من 2005 لـ2008»، رخيصة الثمن، حتى لا يتعرض معرضه للغلق نتيجة حالة الكساد المسيطرة على المدينة بأكملها، مثلما حدث مع عدد كبير من أصحاب معارض السيارات خلال الثلاث سنوات الأخيرة، الذين أغلقوها نتيجة عجزهم عن سداد الإيجار ورواتب العاملين نتيجة حالة الكساد المسيطرة على المدينة بأكملها.
«سعر اليخت انخفض 50% وأكتر، وبنضطر فى حالات كتيرة نطّلع الرحلة بنص القوة علشان مفيش زباين، وبدل ما كنا كأصحاب يخوت بنحط تسعيرة موحدة وثابتة بالاتفاق ما بينا وبيكون على الزبون الالتزام بها، بقينا بـ(نهلب) شغل من ورا بعض، وبأسعار متفاوتة علشان نقدر نستمر ونجيب تمن رواتب الناس»، هكذا يفصح أحمد الشرقاوى، مسئول إحدى سفن الرحلات فى شرم الشيخ: إيجار اليخت متوسط الحجم قبل سقوط الطائرة الروسية كان لا يقل عن 5 آلاف جنيه فى 6 ساعات، ومع حالة التردى التى ضربت المدينة، اتجهنا للاتفاق مع بعض الفنادق التى تعلن عن عروض خاصة للسياحة الداخلية على إدراجنا ضمن برنامجها السياحى فى مقابل مبلغ 150 جنيهاً للفرد أو 3 آلاف جنيه لإيجار اليخت طوال اليوم، ورغم انخفاض المبلغ فإنه لم يجد رواجاً، خاصة بعد ما علمنا أن تكلفة رحلة الأسرة الكاملة على مدار اليوم فى الفندق تقترب من هذا المبلغ بما فى ذلك أوتوبيسات الانتقال من القاهرة لشرم الشيخ والعودة أيضاً».
مدير مقهى: ندفع 20% من قيمة الحساب لـ«سمسار الزبائن».. وأيام عديدة لا يدخل لنا زبون واحد
محاولة اصطياد الزبائن من على الشواطئ والاتفاق معهم على مبالغ مالية مختلفة ثمناً للرحلة، جعل شواطئ اليخوت أشبه بالمراكب الشراعية المتراصة على ضفاف النيل، من وجهة النظر الرجل الخمسينى: «بقينا نشغل فى اليخوت أغانى شعبى ونعمل وصلات رقص، ووقفنا شوية شباب فى الشوارع الرئيسية بورق دعاية مقابل نسبة علشان يجيبوا لنا زباين، وبالرغم من كده مفيش حركة شغل»، الأمر الذى دفع بعض المكاتب لتعطيل العمل باليخوت المملوكة لها، لحين انتهاء الحظر، بعد التأكد من أن الرحلات الداخلية لن تستطيع تغطية رواتب العاملين بتلك اليخوت وليس تحقيق أرباح لأصحابها.
أكثر من 44 فندقاً قررت التوقف عن العمل وعدم الاستجابة لدعوات وزارة السياحة وهيئات تنشيط السياحة المختلفة، بعمل عروض خاصة للرحلات الداخلية للمصريين، طبقاً لما ذكره مدير عام أحد الفنادق المصنفة «6 نجوم»، بمنطقة قسم شرم الشيخ، نظراً للآثار السلبية التى قد تنتج عن تلك الرحلات التى من شأنها إعاقة السياحة أكثر من تنشيطها: غالبية نزلاء الفنادق الراقية من السائحين فى شرم، يأتون عبر شركات سياحية دولية، يكون لها جروبات خاصة على مواقع السوشيال ميديا، وتطلب من عملائها تقييم الرحلات بعد عودتهم، ومن خلال متابعتنا لتلك الجروبات رصدنا قيام بعض السائحين بوضع صور لسلوكيات غير منضبطة لبعض السائحين المصريين، ونصح هؤلاء السائحون ذويهم بعدم التنزه فى مصر خلال تلك الفترة التى وصفوها بالشعبية، حيث كتب أحدهم رسالة عبر تلك الجروبات قائلاً «لا تكلف نفسك مبالغ طائلة من أجل التنزه فى شرم الشيخ، فى حين يمكن لك دفع مبالغ أقل وتزور وسط القاهرة»، وكتب آخر «سيكون لزاماً عليك أن تواجه عادات وتقاليد المصريين التى لم تكن تراها من قبل فى شرم الشيخ، لذا أنصحكم باقتناء كاميرات خاصة لتسجيل تلك اللحظات»، فيما كتب ثالث «شرم المصرية تحولت لمنطقة شعبية ستشاهد فيها عادات وتقاليد المصريين فى زيارتك المقبلة لها».
مسئول تأجير يخوت بحرية: نضطر لخروج الرحلة بـ«نص القوة».. ونصطاد الركاب بـ«طُعم» الرقص والأغانى الشعبية.. ونعمل بأسعار متفاوتة
مدير الفندق المذكور يوضح أن تكلفة رحلات المصريين تزيد عن المقابل المدفوع فيها، مما دفع عدداً كبيراً من الفنادق بالاتفاق على الاكتفاء بالسائحين الأجانب أو الإغلاق الجزئى، بحجة التجديدات، الأمر الذى تسبب فى تصفية عدد كبير من العاملين بالفنادق ومنحهم إجازات مفتوحة مقابل حصولهم على أساسى رواتبهم لحين فك الحظر المفروض على السياحة فى شرم الشيخ، وفى حالة استمرار هذا الحظر، ستستمر الفنادق فى تصفية العاملين بها، حتى لو وصلت إلى غلق الفندق نهائياً، خاصة السلاسل العالمية التى تضم مئات الفنادق فى دول مختلفة، وتتجه لإغلاق أكثر الفنادق المحققة للخسائر من كل عام، فى حالة ثبوت عدم قدرتها على المنافسة مرة أخرى وتحقيق أرباح تعوض تلك الخسائر التى تعرضت لها.
يقول محمود عاصم، مرشد سياحى مقيم بشرم الشيخ، إن 60% من المرشدين السياحيين الذين كانوا يعملون بالمدينة عادوا إلى محافظاتهم خلال العامين الماضيين، إضافة إلى تغيير عدد من المتبقين لوظائفهم، والعمل بوظائف إدارية واستقبال داخل الفنادق، قبل الاستغناء عنهم، وأصبحوا بلا عمل، لعدم وجود سياحة أجنبية، عقب حادث الطائرة الروسية، فبعد أن كان المرشد يقوم بتوطيد علاقته ببعض زبائنه من السائحين الروس الذين كانوا يعتبرون عماد السياحة فى شرم الشيخ طوال السنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير، لكى يصطحبهم مدة وجودهم فى مصر، جاء حادث الطائرة الروسية ليقضى على آخر ما تبقى من وفود السياحة.
الشاب صاحب الثلاثين عاماً يرى أن السياحة الداخلية للمصريين لن تكون مصدر دخل من قريب أو من بعيد للمرشدين السياحيين، الذين يواجهون أزمة حقيقية الآن فى مصادر أرزاقهم بعد توقفهم عن العمل.