كنت على الهواء ليلة السبت، وبمناسبة احتفال أقباط مصر بأعيادهم ناقشت فى حلقة غير اعتيادية صورة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء عليهما السلام فى القرآن الكريم، استضفت خلالها عدداً من العلماء المسلمين ليحدثونا عن الصورة الرائعة التى رسمها القرآن للمسيح ووالدته.. ولكن دون مقدمات انهالت الرسائل على البرنامج تطالبنا بأن «نحس على دمنا» ونناقش ما يحدث من مجازر فى حلب.. كان هاشتاج «#حلب_تحترق» قد تصدر الأكثر تداولاً على موقع «تويتر»، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعى بلغات مختلفة، وغيَّر العديد من المستخدمين صور حساباتهم إلى اللون الأحمر تضامناً مع ضحايا حلب.
المعلومات الواردة من سوريا كانت وما زالت حتى كتابة هذا المقال غير واضحة.. من يرتكب تلك المجازر؟ المرصد السورى لحقوق الإنسان يؤكد أن غارات جوية تقوم بها طائرات النظام هى السبب، ووكالة الأنباء السورية الرسمية تتحدث عن إرهابيين يطلقون القذائف هم السبب، ومدير عمليات منظمة «أطباء بلا حدود» فى الشرق الأوسط يتحدث عن قصف جوى على مستشفى القدس فى حلب ووفاة آخر طبيب أطفال فى المدينة.. ثم الجيش السورى ووكالة الأنباء الروسية يعلنان عن اتفاق تهدئة برعاية موسكو وواشنطن فى دمشق والغوطة الشرقية واللاذقية دون الإشارة إلى حلب.
من يقتل من؟ وكيف انتشرت حملة «#حلب_تحترق» بهذه السرعة بينما لم يهتم أحد لأى شىء قلته عن سوريا قبلها بيوم واحد؟ ما مدى صدق المواقع التى قالت إن صور الضحايا ليست من حلب ولكن من أماكن أخرى؟ لا شك أن هناك أمراً بالغ القسوة يحدث فى هذه المدينة الجميلة، ولا شك أن هناك دخاناً وليس بلا نار.. دخان كثيف لا يحجب الرؤية فحسب ولكن يحجب القدرة على فهم من يرتكب هذه الجرائم ولماذا الآن..
شبكة «فولتير» الفرنسية كانت قد نشرت يوم الأربعاء أن أمريكا انتهكت قرار وقف الأعمال القتالية، ووزارة الدفاع الأمريكية والجيش التركى أرسلا شحنة أسلحة من رومانيا يوم 28 مارس وتم تسليمها يوم 7 أبريل لمجموعات قالوا عنها إنها معتدلة وأكدت أن الموقع الخاص بهيئة تابعة للبحرية الأمريكية نشر مناقصتين لنقل هذه الأسلحة، بما يؤكد صحة تحقيق قامت به الشبكة البلقانية للتحقيق الصحفى التى قالت عن أنواع الأسلحة إنها متشابهة مع تلك التى يستخدمها الجيش السورى بما يسهل اتهامه بجرائم لم يرتكبها.
ثم اتصل رياض حجاب، منسق عام المعارضة السورية فى محادثات جنيف هاتفياً بجون كيرى، ليخبره بأنه لم يعد للحديث عن العملية السياسية مكان فى ظل المجازر المروعة لنظام «بشار».. حالة ضبابية واتهامات متبادلة وتنصل من مسئولية ارتكاب المجازر تدفعنا للحذر عند التعامل مع ما يحدث فى حلب.. هناك انتهاكات وقتل للمدنيين، هذه حقيقة.. هناك كاذبون يلقون اللوم على الأطراف الأخرى، هذه حقيقة ثانية.. هناك قوى كبرى اتفقت على سوريا، حقيقة ثالثة.. هناك مدنيون ضاعوا بسبب ما يفعله تجار الحرب، وهى حقيقة رابعة وربما ليست أخيرة.
ليست أخيرة لأنه يمكننى أن أضيف مجموعة أخرى من الحقائق.. هناك فنانون وضعوا صورهم وعليها الهاشتاج لركوب الموجة العاطفية على طريقة «كوهين ينعى ولده».. هناك ضوء أخضر تلقته دويلة تحدث رئيس وزرائها السابق مؤخراً عن ضوء مماثل كانوا تلقوه فى بداية الأزمة.. هناك طرف رابض على الحدود يسعى لاحتلال سوريا بدعوى تحريرها.. وحقيقة أخرى وهى أن هناك طرف عاجز فى المعادلة اسمه جامعة الدول العربية.. وسط كل ذلك مناقشة الموضوع تصبح كالسير حافياً على أرض مليئة بالزجاج المكسور والإجابات غير متوفرة، ولكن استغلال معاناة أهل حلب من أطراف كثيرة ليس خافياً.. يا مغيث أغثهم.