بين الصحفيين ونقابتهم خطوط بعضها بارز وواضح للعلن وبعضها لا يُرى بالعين المجردة، يظن الواهم أن تعطل النقابة عن عقد جمعيتها العمومية خلال الفترة الماضية لعدة مرات يعنى أن الجماعة الصحفية لا تهتم بنقابتها، وهذا هو الخطأ الذى سقط فيه صاحب قرار دخول أفراد الشرطة للنقابة دون إخبار النقيب أو مشاورته.
بين عدد كبير من الصحفيين فى كل الصحف القومية والخاصة وأعضاء مجلس النقابة خلافات عدة ونقاشات ساخنة واختلافات لا تعرف الرحمة فى كثير من الأحيان، ولكن العادة الزمانية أخبرتنا أن كل شىء يسقط حينما تتعرض المهنة أو النقابة للخطر، ولذا يبدو واضحاً أن من اتخذ قرار دخول أفراد الأمن للنقابة لم يدرس التاريخ جيداً وراهن على انقسام الجماعة الصحفية ولذا سقط فى الفخ بسهولة.
الأمر أكبر بكثير من نقابة الصحفيين، القضية تتعلق بطريقة التفكير والمنهج السائد فى تصرفات وزارة الداخلية خلال الفترة الأخيرة، يختار المسئولون فى وزارة الداخلية دوماً فى تعاملاتهم الأخيرة الطرق الصعبة، لا يجيدون إصدار البيانات الرسمية، وكل بيان يتم إصداره من الوزارة لحل أزمة ما أو علاج قضية ما يكون سبباً فى إشعال نار الأزمة بسبب سذاجته أو ضعف معلوماته أو ميوعته.. تعاملت الوزارة بكل الأشكال الخاطئة فى أزمات أمناء الشرطة، وفى خطاب قادتها الحاليين ولواءاتها السابقين وإعلامييها المجندين الذى جاء تحريضياً وخالقاً للنجوم وصانعاً للأبطال فى شوارع خلت وأصابها الركود خلال الفترة الماضية بسبب خلوها من الأبطال.
بهذا المنهج «المهرجل» والمرتبك والملخبط تصرفت وزارة الداخلية فى أزمة نقابة الصحفيين الأخيرة، يقولون إن ما حدث تنفيذ لقرار ضبط وإحضار وإنفاذ للقانون ونحن نحترم القانون، ونؤكد أنه لا صحفى فوق رأسه ريشة وأن جزمة القانون فوق رءوس الجميع بدون استثناء، لكن ما هى التهم الموجهة للزميلين اللذين تم اقتحام النقابة والقبض عليهما من داخلها؟ لماذا لم يتم إعلان هذه التهمة، وإطلاع النقابة مسبقاً والتنسيق مع النقيب مسبقاً قبل دخول النقابة كما ينص القانون على ذلك؟ ثم تعالَ هنا، ألا يوجد فى علم السياسة والعلوم الأمنية ما يعرف بالظروف المواتية، ومراعاة الظرف السائد؟ هل يوجد أى تقدير أمنى فى الدنيا يقول إن القبض على عمرو بدر والسقا الآن من الضروريات، ألا تتذكر وزارة الداخلية التى تسرع الآن بتنفيذ الضبط والإحضار أنها غضت الطرف عن مرتضى منصور لشهور رغم أنها تعلم جيداً اختفاءه فى بيت قاضٍ؟ أليست العقلية الأمنية نفسها التى تسرع الآن لإنفاذ القانون بطريقة ستؤدى إلى إشعال موقف كان قد ناله جانب من الهدوء هى التى تصم آذانها عن إنفاذ القانون على جميع السيارات المخالفة التى تسير دون رخص فى الشوارع بحجة أنها ملك لرجال فى الهيئة القضائية أو الشرطية؟
ملخص ما حدث فى النقابة مريب، ليس لأنه متعلق بنقابة الصحفيين ولكن لأنه متعلق بطريقة عمل العقلية الأمنية لوزارة الداخلية وتحديداً للواء مجدى عبدالغفار، قرار مثل هذا بلا تهم واضحة وبلا تنسيق أو إخبار لمجلس النقابة، ودون البحث عن مظلة نيابية ودون تقييم للموقف أمنياً وسياسياً، ودون بيان ذكى وقوى من وزارة الداخلية لتفسير ما حدث، بل على العكس جاء البيان شديد البؤس.
التواريخ الأخيرة تقول إن أغلب الأزمات التى تعيشها الدولة صادرة من وزارة الداخلية، فى شكل أزمات لأمناء شرطة أو تجاوزات لضباط، وأخيراً أزمة مظاهرات 25 أبريل والقبض العشوائى، كل هذه الأمور لا يؤلمنا فيها سوى أن حق ودماء الضباط والمجندين الأبطال الذين استشهدوا فى مواجهة الإرهاب يتوه دوماً فى زحمة هذه الأخطاء.