حاول رئيس الجمهورية وجماعته وحزبه إيهام الرأى العام برغبتهم واستعدادهم للتوافق مع القوى السياسية المعارضة بشأن تعديلات بعض المواد الدستورية وإضافة نواب معينين إلى مجلس الشورى وقانون الانتخابات البرلمانية. فأطلق الرئيس دعوة لما اسماه «الحوار الوطنى»، وضغطت الجماعة وحزبها سياسياً وإعلامياً على المعارضة للمشاركة بهدف بناء التوافق من جديد.
قبل الدعوة من قبل، ورفضتها قوى المعارضة الممثلة داخل جبهة الإنقاذ الوطنى لأسباب ثلاثة. أولاً، غياب الطابع الإلزامى عن الحوار، أى عدم التزام الرئيس وجماعته وحزبه والقوى المتحالفة معهم بتنفيذ نتائج الحوار الوطنى مع المعارضة. ثانياً، غياب الشفافية عن الحوار الذى طالبت جبهة الإنقاذ بضرورة البث التليفزيونى المباشر لجلساته كى يتابعه الرأى العام ويتيقن من مواقف القوى المختلفة بشأن الدستور ومجلس الشورى وقانون الانتخابات. ثالثاً، غياب الوضوح بشأن طبيعة الأطراف المشاركة فى الحوار وأوزانها النسبية على نحو شكك فى جدية الحوار وأوجد مخاطر تتعلق بديكوريته. وأكدت جبهة الإنقاذ أن تجاوز أسباب الرفض بإقرار إلزامية تنفيذ نتائج الحوار وعلنية جلساته وضبط الأطراف المشاركة به سيعنى مشاركتها به.
وبالطبع، لم يستجب الرئيس ولم تستجب الجماعة وشنت هى وحزبها هجوماً على جبهة الإنقاذ التى اتُّهمت بمحاولة إسقاط الرئيس وتخريب مصر والتآمر على أمنها وسلامة مواطناتها ومواطنيها. ودافعت الرئاسة والجماعة والحزب عن الحوار وجديته وأشادوا بوطنية الأطراف المشاركة به التى لا تبحث عن مصالح ضيقة أو مجد شخصى.
جيد، وما الذى حدث بعد عدة جلسات من حوار «الإخوان الوطنى»؟ عُين 90 من النواب فى مجلس الشورى بمنطق وحيد، هو تثبيت أغلبية الإخوان وتوزيع العطايا على الملتحقين بركبهم من أعضاء تأسيسية الدستور وغيرهم. ثم ما كان من هذا المجلس إلا أن ضرب عرض الحائط بتوافقات الحوار بشأن قانون الانتخابات وأقر ما أرادته الجماعة وحزبها. ونتج عن هذا انسحاب بعض الأحزاب التى قبلت المشاركة فى الحوار منه وتأجيل الرئاسة لجلساته إلى حين إشعار آخر. باختصار، ثبت بهذا وبالدليل القاطع للرأى العام ديكورية الحوار وعدم إلزامية نتائجه واستمرار نزوع الإخوان لتغليب إرادتهم المنفردة.
الآن، يمكن للمواطنات وللمواطنين الذين طالبوا المعارضة بالمشاركة فى الحوار إدراك موضوعية أسباب رفضنا وديكورية الدعوة لحوار بشأن تعديلات الدستور المشوه وقانون الانتخابات وغيرهما من القضايا المركزية. فتوافقات قانون الانتخابات تم تجاهلها، ومصير تعديلات الدستور لن يختلف. هكذا هى «حوارات الإخوان الوطنية»، ديكور وحديث عن توافق ومصلحة وطنية تستدعى المشاركة وضغط على الرافضين باتهامات بتخوين وتآمر وتضليل، ثم يتضح زيف الأمر برمته، فلا توافقات يُلتزم بها ولا جدية فى التعامل مع نتائج الحوار. والخاسر الأكبر هنا لا الجماعة ولا حزبها، بل رئيس الجمهورية الضامن للحوار والذى يفقد كل يوم المزيد من المصداقية مع ثبوت ديكوريته.