لم يتعرض دين سماوى أو مذهب عقائدى للتشويه ولاختلاق القصص عنه وللإساءة إليه كما تعرض الإسلام خلال العقود الأربعة الماضية.. حملات كراهية وتشويه بعضها فوق بعض تم استخدامها فى الغرب للإساءة لهذا الدين، وللتشكيك فى ثوابته.. وللأسف كنا أنفسنا كمسلمين جزءاً من هذا التشويه، ومشاركين بقوة فى هذه الحملات.
فى السبعينات، وحتى منتصف الثمانينات، كانت عمليات اختطاف الطائرات الغربية، والعمليات الإرهابية (حتى وإن سميناها استشهادية) التى قامت بها بعض الفصائل العربية، يتم نسبتها بشكل مباشر إلى الإسلام والمسلمين، بالتزامن مع أزمة النفط التى كان سببها (من وجهة النظر الغربية) الدول الإسلامية المسيطرة على «أوبك».. وكانت النتيجة صورة شديدة القتامة عن الإسلام فى الغرب.
فى التسعينات، برزت بعض الأسماء الإسلامية (المصرية وغير المصرية) فى تفجيرات كبرى شهدتها بعض المدن الأمريكية والغربية، وتم الربط بينها وبين الإرهاب، حتى يأتى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، ومعه أحداث 11 سبتمبر، ليكون الإسلام مرادفاً لتنظيم القاعدة، ويكون صراع الغرب مع الإسلام صراعاً وجودياً وفكرياً.. ثم تأتى هذه الأيام، ويأتى تنظيم داعش ليزيد العلاقة بين الإسلام والإرهاب والتشدد والتعصب فى الذهنية الغربية قوةً وصلابةً.
زيارات شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب إلى الدول الأوروبية خلال الأسابيع الماضية كانت بمثابة «طوفان نوح» الذى يغرق أرض الضلالات، ويصعد بسفينة الإسلام إلى الجودى.. تحرك أذاب جبل الجليد بين ثقافتين، وعالمين، وعلى حد تعبير البعض، فقد كانت زيارته هدماً لجدار الإسلاموفوبيا الغربية، وتأكيداً على فكرة «التلاقى الإنسانى»، و«التوحد الدينى» بيننا وبين الغرب.. بلسان عربى حكيم، وبعقلية أوروبية، تحدث شيخ الأزهر وقدم تصوراته ورؤاه عن العلاقة بين العالمين الإسلامى والمسيحى، وكانت كلماته برداً وسلاماً على الجانبين.
فى اللقاء التاريخى الذى جمع شيخ الأزهر لأول مرة فى التاريخ ببابا الكنيسة الكاثوليكية ورئيس دولة الفاتيكان، كانت الإشارات واضحة، والدلالات بينة، بحيث لا يحتاج المشهد إلى كلام.. اجتمع القطبان لتقرير أن الدين أصله واحد.. وأن الديانتين الإسلامية والمسيحية يمكنهما أن تتلاقيا، وأن تتحاورا، وأن تعضد وتساند كل منهما الأخرى.. كان لقاءً إيجابياً ومثمراً.. وكان النشر الدولى عنه كبيراً على قدر ضخامته، ومؤثراً على قدر تأثير الحدث.
الأمر نفسه تكرر عند زيارة شيخ الأزهر لفرنسا، وكلمته فى فعاليات الملتقى الثانى للحوار الإسلامى المسيحى.. وفى زياراته السابقة لإيطاليا وألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية.. موجات من التنوير والتصحيح والتعديل فى صورة الإسلام والمسلمين فى الخارج.
وتبقى المشكلة الأبدية، وهى مشكلة المتابعة والاستمرارية.. من يتابع الدفقة التى أرسلها شيخ الأزهر؟ ومن يتابع ويظل رافعاً للشعلة التى أوقدها فضيلته؟.. هل هناك جهات حللت زيارة شيخ الأزهر، ورصدت نقاط قوتها، وبدأت فى استثمارها والبناء عليها؟ وهل هناك جهات بدأت فى التخطيط لموجة أخرى من هذا الإشعاع الفكرى حتى لا يضيع أثره ويصبح دخاناً فى الهواء.
فعلها شيخ الأزهر، وأمسك بعصا المبادرة، وألقى عصاه على حيات الصور السلبية عن الإسلام المسلمين.. وفعلها شيخ الأزهر وشق البحرين ليعبر كل الساعين إلى معرفة الحق والصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين.. فهل نستثمر هذه الزيارات الناجحة والمبادرات الرائعة، أم نتيه فى صحراء الإهمال أربعين سنة أخرى؟
إن كانت هذه المبادرة تمثل بدايات تحتاج إلى تواصل على المستوى الخارجى لكن يبقى السؤال الأهم ماذا عن مبادرات داخل الأزهر؟