لقى مواطن فى شبرا الخيمة مصرعه، وأصيب آخر نتيجة الخلاف مع صاحب كشك على ثمن علبة سجائر. أعلم بالطبع ما يمكن أن يقال عن «السجاير» وأضرارها وتأثيراتها المميتة على الإنسان، وأعلم أيضاً أن البعض يحرم التدخين، كل هذا الكلام معلوم بالضرورة، لكن ذلك لا يمنعنى من القول إن «السجاير» أصبحت واحدة من أكثر الأزمات التى طفت على السطح فى مصر، خلال الأيام الماضية، ويمكنك أن تستخلص بسهولة من تأمل هذه الأزمة الكيفية التى يتعامل بها كل من الحكومة والشعب مع الأزمات التى تحاصرنا من اتجاهات شتى.
السجائر مختفية منذ عدة أسابيع من الأسواق، بدأ الأمر بأنواع محددة، ثم زحف إلى أنواع أخرى، وبسبب نقص العرض وزيادة الطلب على الأنواع أو الماركات المختفية، ارتفعت أسعارها، ولو أنك سألت أى صاحب كشك سجائر عن أسباب ارتفاع السعر، فسوف يجيبك قائلاً: «الدولار».. فشح الدولار وعدم توافره، بالإضافة بالطبع إلى ارتفاع سعره، أدى إلى عرقلة عملية استيراد «التبغ» الذى يدخل فى صناعة السجائر، وكانت النتيجة اختفاء أنواع معينة منها، وارتفاع أسعارها بصورة محسوسة، لأن التجار الذين يوزعون كراتين السجائر على الأكشاك ومنافذ البيع رفعوا سعرها، وتاجر التجزئة «البياع» لا بد أن يكسب هو الآخر، وبالتالى تجاوز الارتفاع فى سعر بعض الأنواع الـ7 جنيهات.
يحدث ذلك فى وقت تؤكد فيه الحكومة أنها لم تتخذ قراراً برفع أسعار السجائر أو زيادة الضريبة المفروضة عليها، لكنها من ناحية أخرى لا تقدم تفسيراً لما يقوله التجار حول أن شح الدولار هو سبب الأزمة، وهل أصدرت الحكومة قراراً غير معلن باعتبار السجائر من السلع الاستفزازية التى يجب حرمان المستوردين لخاماتها من الدولار؟، أضف إلى ذلك أنها لا تتحدث عن أية إجراءات سوف تتخذها لضبط أسعار السجائر، كسلعة يستهلكها ملايين المصريين، لتحميهم من جشع التجار واستغلالهم.
أزمة السجائر تقدم لنا نموذجاً مدهشاً على تواطؤ كل من الحكومة وبعض المواطنين على الخراب، فعندما يخلو الأداء من الضوابط تعم الفوضى، والفوضى هى المقدمة الطبيعية للخراب. الحكومة مهملة -هذا أمر معلوم- لكن هذا الموقف كشف -أيضاً- عن عجزها. الإهمال يعنى توافر أدوات للتدخل لحل المشكلات، لكنها لا تستخدم، أما العجز فيعنى عدم امتلاك الأدوات من الأصل، المهمل يمكن إصلاحه وتوجيهه والضغط عليه، أما العاجز فعصى على الإصلاح، والعقل يقول إنك يجب أن تنظر إليه ككائن ملهوش لازمة»!. أما المواطنون الذين يشاركون الحكومة فى الخراب، فحدث عنهم ولا حرج. فقد أصبح ديدن البعض استغلال الأزمات والمتاجرة بها ومحاولة استغلالها والاستفادة منها حتى ولو كان على حساب الغير. هناك مواطنون يحترقون بزيادة سعر الدولار، لكن هناك أيضاً من يرقص فرحاً بارتفاع أسعاره، هناك من يعذبه عجز الحكومة، لكن هناك من يسعد به كل السعادة لأنه يمكنه من نهش غيره. كل من تتاح له الفرصة للاستغلال لا يتأخر. وما من أمة تصل إلى حالة كتلك التى وصلنا إليها إلا وكانت على مشارف خطر داهم، وهى مطالبة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان!.