مصر دولة لها أهمية استراتيجية وسياسية تدفع القوى الكبرى لمتابعة أحوالها ومحاولة التأثير فى مساراتها وتطوراتها. وخلال العامين الماضيين لم تبتعد لا الدول الغربية ولا روسيا والصين ولا القوى الإقليمية عن مصر
وسعت لفتح قنوات مع القوى القديمة - الجديدة كالإخوان والمجلس العسكرى، ومع القوى الجديدة كتيارات المعارضة الوطنية ووظفت أدوات التأثير المختلفة؛ الاقتصادية والمالية والدبلوماسية وتقديم المعونات.
إلا أن افتراض كون اهتمام القوى الكبرى والإقليمية بمصر وأحوالها سيستمر إلى نهايات التاريخ، وهو ما يبدو أن مثلث صناعة القرار حول الرئيس والجماعة وحزبها يعتقده، خطأ فادح. فالقوى الكبرى والإقليمية، وعلى الرغم من مصالحها الاستراتيجية التى تريد حمايتها فى مصر، ترى الآن حالة أزمة اقتصادية وسياسية طاحنة تمسك بنا وتتصاعد، وشواهد دولة فاشلة وبيئة مجتمعية ترتفع بها احتمالية العنف والفوضى. وهنا وتدريجياً تتحول مصر ولحالة الأزمة المتصاعدة إلى دولة طاردة لاهتمام القوى الكبرى والإقليمية أو دولة تستدعى من الخارج فقط اهتمام الحد الأدنى لمنع تفككها أو انهيارها أو شيوع الفوضى بها وبالإقليم المحيط بها.
على مثلث صنع القرار، الرئيس والجماعة وحزبها، أن يدرك أن القوى الغربية تتململ من أحوال مصر وأزمتها الطاحنة وباتت تبحث عن إعادة صياغة سياستها باتجاه التقليص واستراتيجية الحد الأدنى. عليه أيضاً أن يدرك أن الدول المأزومة والفاشلة هى دول طاردة لاهتمام الخارج، فحالة الأزمة المستمرة لا أصدقاء لها والفشل منفر ويدفع لإدارة الظهر والبحث عن دول أخرى فى ذات الإقليم للشراكة والتعاون. على مثلث صنع القرار إدراك هذا، وعلى المعارضة وعلى الرأى العام إدراكه أيضاً. فربما شكل هذا دافعاً إضافياً لإعادة الحسابات والبحث عن مخارج من الأزمة ومن سياسة الجمود والعجز.