واضح كالشمس الجمود الذى تعانى منه مشيخة الأزهر، وأن تجديد الخطاب الدينى لا يتعدى لديها ضياع المال العام تحت مسمى: «مؤتمرات عالمية»، والكل يعرف الفساد وانتشار الوساطة والمحسوبية فى الأزهر، ولم تقدم المشيخة خطوة حقيقية لمواجهة الفكر المنحرف، وليس اختراق الإخوان والسلفيين للمشيخة خافياً على أحد، إنما الجديد هنا أنهم تجاوزوا كل ذلك إلى ما هو أشنع وأشد، حيث قامت المشيخة بطباعة وتوزيع كتاب بالمجان كهدية مع «مجلة الأزهر» اسمه: (عطاء الرحمن من شرعية القرآن) للشيخ «مصطفى محمد الحديدى الطير».
كان «الطير» مدرساً بالأزهر، ووكيلاً لجماعة الإخوان، وعضواً بمكتب إرشاد وشورى جماعة الإخوان، فحينما تكوَّن أول مكتب إرشاد فى تاريخ الإخوان بعد دعوة «حسن البنا» لعقد المؤتمر العام الأول للجماعة بالإسماعيلية فى صفر 1350 هجرية، تولى رئاسة مكتب الإرشاد «البنا» ومعه عشرة أعضاء، أولهم: مصطفى الطير، وفى يناير 1934م انعقد مجلس الشورى الثانى، ومن قراراته: «البنا» رئيساً، و«مصطفى الطير» وكيلاً للإخوان، كما له كتابات فى «جريدة الإخوان»، وكان يلقى القصائد فى احتفالاتهم، ولم يتحدث أحد عن تركه للإخوان إلا إشارة من أحد اليساريين، وهو محمد أبوالإسعاد، فى خبر مرسل لا اعتماد عليه، ولا يخفف أثر الجريمة أن «الطير» كان عضواً بمجمع البحوث، فإن الإخوان ما تركوا مكاناً إلا اخترقوه، بما فى ذلك «جماعة كبار العلماء» فى عهد «الطيب» كنموذج.
الأمر من الممكن أن يكون عادياً فى غير هذه الظروف، إلا أن الإخوان اليوم يتلاعبون ويكذبون لاستغلال المواقف، فينجحون فى الترويج والخداع لفكرة أن علماء الأزهر كانوا داعمين للإخوان، كما روج لذلك «القرضاوى» فى كتابه: (الإخوان المسلمون ٧٠ عاماً من الدعوة)، وهى الفكرة التى مكثتُ سنوات أدرسها، حتى تبين لى خطأها وخداعها، فألفت فى تفنيدها كتابى: (موقف الأزهر وعلمائه من الإخوان)، ثم تأتى المشيخة فتنشر كتاباً لوكيل الإخوان!!، وبالبحث العلمى يثبت خداع المشيخة و«القرضاوى» لما أرادوا توصيله، وحسن النية لا يبرر الخطأ.
هناك منطق يقول: موضوع الكتاب ليس فيه ما يخدم فكر الإخوان، والرد أن الإخوان يستفيدون من مجرد وجود اسم ينتمى لهم كواجهة، بغض النظر عن موضوع الكتاب، وكتاب: (فقه السنة) للشيخ «سيد سابق» نشره الإخوان فى كل مكان، وليس فيه ما يخدم الإخوان، لكنهم استغلوا اسم الشيخ «سابق» لإيهام المجتمع أن الجماعة تضم العلماء، ولو أخذنا بهذا المنطق فسنرى المشيخة تطبع كتاب: (الزكاة) للقرضاوى، بحجة أن الكتاب نفسه ليس فيه ما يخدم الجماعة، ولذلك تنبه الإخوان لهذا، فلا تجدهم يدرِّسون داخل الأسر والشُّعب أياً من الكتب التى لا ينتمى أصحابها للتنظيم، مهما علا شأن الكتاب.
إن شيخ الأزهر (غالباً) لا يعلم بالجريمة، لكن مسئوليته تكمن فى تركه الأمور فى يد غير الأمناء، فكانت النتيجة: توزيع الأزهر لكتاب من تأليف وكيل الإخوان؛ لإعطاء شرعية للإخوان لو أنفقوا الملايين لما نجحوا فيما أعطته لهم المشيخة بالمجان فى هذه الواقعة.
إن المشيخة تطبع شهرياً كتابين مع «مجلة الأزهر»، فلماذا لا تطبع كتاب: (الإخوان إلى أين)؟ للعلامة الأزهرى المرحوم «سعد صالح»، وهو من أهم الكتب التى فككت أطروحة الإخوان، أو كتاب: (موقف الإسلام من جماعة الإخوان) للإمام الأكبر «حسن مأمون» وعدد من العلماء، أو كتاب: (من هدى الإسلام) للدكتور «الذهبى»؟!! والحاصل أن المشيخة وقفت بجريمتها هذه فى صف المعادين للدولة، وسط سكوت مطبق من قيادات الدولة أمام ما يحدث من إخوان المشيخة.