ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن الدكتور «جابر جاد نصار» رئيس جامعة القاهرة، المرة الأولى حين تركته الدولة وحيداً، واضعاً رأسه على كفه باتخاذه قراراً بمنع المنتقبات من تدريس عدة مواد ترتبط -بالضرورة- برؤية الوجه فى جامعة القاهرة، ومن بعده اتخذ قراراً بحظر ارتداء النقاب على الممرضات وأعضاء هيئة التدريس بكلية الطب والقائمات على رعاية المرضى بالمستشفيات الجامعية التابعة لجامعة القاهرة! وقاد التيار السلفى بزعامة «ياسر برهامى»، (مفتى الزواج بالطفلة فى عمر الثالثة)، حملة ضارية ضده باعتباره دولة بديلة للدولة الغائبة، فالدولة لم تطبّق الدستور وتحظر الأحزاب الدينية، والمؤسسة الدينية «الأزهر الشريف» لم تدخل معركة «النقاب» رغم فتاوى دار الإفتاء السابقة بأنه ليس فرضاً ومجرد عادة! والمرة الثانية حين تساءلت فى مجلة «7 أيام».. من يحمى د. «جابر نصار»؟ وهو الذى يخوض معركة منفردة فى مواجهة الفكر الإرهابى، ويواجه فتاوى الإعدام «المادى والمعنوى» بصدر عارٍ ويد خالية من السلاح وظهر أعزل من أى غطاء يشير إلى أننا فى «دولة»، أو حتى «أشلاء دولة»!
وحين أقدم الدكتور «نصار» على إلغاء «التمييز الدينى» فى منارة الفكر «جامعة القاهرة» قرر رئيس جامعة القاهرة أن يرفع التمييز عن الطلبة المسيحيين، بما يملكه من صلاحيات إدارية، وقرر إلغاء خانة الديانة كبيان فى كل الشهادات والمستندات والأوراق التى تصدرها أو تتعامل بها جامعة القاهرة مع طلابها أو العاملين بها أو أعضاء هيئة التدريس أو الهيئة المعاونة، وفى جميع الكليات والمعاهد والمراكز، سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو الدراسات العليا، تساءلت هل نتوقع أن تحذو باقى الجامعات المصرية (والأجنبية) حذوه، أو أن تحميه الدولة من خفافيش الظلام وتخصص حراسة لحمايته؟ وكان الرد صادماً، لقد وقف الدكتور «أشرف الشيحى»، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، موقفاً معادياً للقرار الحضارى الذى اتخذه دكتور «نصار»، وقال «الشيحى» فى حوار نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 25 أكتوبر 2016: (إنه لا يوجد فى الجامعات المصرية مستند واحد يفرق بين مسلم ومسيحى أو حتى يسأل عن خانة الديانة ولا يوجد تفرقة فى أى جامعة على مستوى الجامعات، ثم تساءل الوزير: لماذا نصنع أزمة من لا أزمة؟!)، فإذا بجريدة الأهرام تواجه الوزير بمستندات وأوراق رسمية دفعت الجريدة إلى كتابة رسالة إلى السيد الوزير بعنوان: (عفواً معالى الوزير).. خانة الديانة فى جميع الأوراق الرسمية بوزارتك وفى الجامعات أيضاً، وأشارت المستندات إلى أن الحقيقة الصادمة تؤكد أن وزارة التعليم العالى تتعامل بهذه الأوراق التى تتضمن خانة الديانة بل وتعممها على كل الجامعات المصرية سواء كانت حكومية أو خاصة، وتتعلق ببيانات الوافدين إلى جمهورية مصر العربية والدارسين بجامعتها ومعاهدها.
الكارثة التى تكشفها المستندات أن «الوزير آخر من يعلم»، ورغم ذلك انحاز لخندق المتطرفين والسلفيين فى مواجهة رئيس جامعة القاهرة، ولم ينتصر لحرية العقل والفكر على التمييز الدينى المقيت، فالوزير لم يجهد نفسه حتى بتكليف أحد رجاله ببحث القضية، وقرر مباشرة أن يغازل «الفكر المتطرف» على حساب حقوق «المواطنة»! ماذا تنتظر من وزير على رأس المؤسسة التعليمية الأهم فى مصر لا يهتم بمحاربة «التطرف والإرهاب» داخل الجامعات؟! وبدلاً من أن يعمم الوزير قرار إلغاء «خانة الديانة» من الأوراق الرسمية لباقى الجامعات طبقاً لـ(نصوص الدستور التى تجرم التمييز بالمادة 53 بالدستور)، يقول لنا لماذا نفتعل «أزمة»؟! هناك أزمة حقيقية يا معالى الوزير، فالجامعات أصبحت وكراً للتطرف، وهناك عشرات الحوادث التى ظهرت فيها الأسلحة البيضاء وتم احتجاز الأساتذة والعمداء داخل الجامعات، والتعليم هو حائط الصد الأخير ضد عملية تجريف العقل المصرى، وغسل أدمغة الشباب وتغذيتها بأفكار «الجهاد» و«شرعية مرسى» و«الثعبان الأقرع»، ألم تر ولو لمرة «شعار رابعة» فى ساحة أى جامعة مصرية، أم أنك تعمل طبقاً لشعار الدولة: (لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم)؟