مشاريع لم تبصر النور- مساعي ترامب لدخول سوق العقار الألمانية
لم يكن رئيس الولايات المتحدة المقبل دونالد ترامب ناجحا في أعماله دائما، كما كان يزعم في تصريحاته خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية. فهو فشل قبل سنوات في دخول سوق العقار الألمانية، رغم محاولاته الكثيرة.احتساء شراب لذيذ والتمتع بغروب الشمس في حديقة على سطح الطابق الخمسين من برج طوله 200 متر ويحمل اسم "ترامب تاور". ليس في نيويورك وإنما في مدينة فرانكفورت الألمانية. كانت تلك تصورات ترامب لأعلى بناية في أوروبا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001. الحديث عن استثمار بقيمة 350 مليون يورو. والسياسيون المحليون في المدينة كانوا منبهرين بالمشروع. ولكن تلك الخطط سرعان ما تبخرت في الهواء.
بيترا روت، التي كانت تشغل منصب رئيسة بلدية فرانكفورت، تتذكر لقاءها مع ترامب الذي يصف نفسه بالملياردير، وتقول: "له خصوصية أمريكية محضة". وتحكي أنه استقبل بعثة من فرانكفورت في مكتبه الفاخر في فيفث أفينيو في نيويورك، وقام بنفسه في شرح خططه. وتقول بأنه كان يريد إنشاء برجه العالي على ضفاف نهر الماين في فرانكفورت، الأمر الذي رفضه المخططون المعماريون الألمان، واقترحوا عليه موقعا آخر "الحي الأوروبي" القريب من مركز المدينة. لكن ترامب رفض. ورغم ذلك، فقد حاول شخصيا إنقاذ خططه من خلال زيارة قام بها إلى فرانكفورت. بيد أن مواقف الطرفين لم تتقارب، حينها انسحب ترامب غاضبا ومحبطا.
التخطيط لبنايات عالية وفاخرة
ولكن، وبالرغم من ذلك، فلا يمكن لأحد أن يتهم ترامب بأنه يفتقد للحس الاستثماري في اختيار الصفقات المربحة. فقد كان ترامب على صواب عندما توقع بأنه في ألمانيا، ذات الاقتصاد القوي، يمكن عقد صفقات استثمارية مربحة جدا. ففي السنوات الـ15 الأخيرة ارتفعت أسعار العقارات في المدن الألمانية الكبيرة على غرار فرانكفورت، هامبورغ، ميونيخ وبرلين بنسب تصل إلى 25 بالمائة وفي بعض الأحيان إلى 70 بالمائة. وفي عام 2000 قرر ترامب جني أرباح من خلال الاستثمار في سوق العقارات الألماني عبر بناء بنايات جميلة وعالية وشاسعة تتسم بالوجدان التقني.
حينها تم تأسيس شركة "تي دي ترامب دويتشلاند" والتي بلغ رأس مالها الأساسي أربعة ملايين يورو شراكة بين ترامب وأولريش مارساي، صاحب سلسة مارساي للمستشفيات في هامبورغ. بيد أن الشركة سرعان ما انحلت عام 2005 ،عقب نشوب مشاكل بين ترامب ومارساي. وخلال السنوات الأربع قبل حل الشركة، حاول ترامب أكثر من مرة دخول سوق العقارات الألمانية.
يعود من مدينة إلى اخرى بخفي حنين
في البداية أراد ترامب الاستثمار في سوق العقارات بالعاصمة الألمانية برلين وبالتحديد في ساحة ألكسندر الشهيرة، حينها أراد ترامب استثمار مليار يورو لتشييد برج سكني عال لا يقل ارتفاعه عن 200 متر. مدير شركته آنذاك أولريش غروبه وصف دافع ترامب وراء إنشاء مثل هذه المشاريع العقارية بالقول: إنه يأمل في "مد جسر بين برلين ونيويورك".
بيد أن سلطات مدينة برلين رفضت خطط ترامب معتمدة على التدابير المنظمة للبناء والتي لا تسمح إلا بـ150 متر كحد أقصى لعلو البنايات. الأمر الذي اعتبره ترامب "تفكير ضيق الأفق"، معلنا انسحابه من برلين.
أما في مدينة شتوتغارت الألمانية، فقد اُستقبل ترامب في البداية بحفاوة، حيث أعرب صناع القرار في المدينة عن حماسهم إزاء خطط المليادير الأمريكي، فقدموا له قطعة أرض في أرقى مناطق المدينة. ووفقا لخطط ترامب فقد كان من المقرر بحلول عام 2004 استثمار ما قيمته الإجمالية 250 مليون يورو لبناء عمارة من 55 طابق وبرج يصل طوله إلى 220 مترا ، واجهته مزينة بالزجاج.
ترامب كان حينها سعيدا. ولكن وقبل انطلاق أعمال البناء، تبين للمسؤولين السياسيين في المدينة أنهم لم يحصلو من ترامب على خطة تمويلية. الأمر الذي زاد من الشكوك بشأن سيولته وقدرته على إكمال بناء البرج. وعندما لم يقدم ترامب أي وثائق تؤكد قدرته المالية على تنفيذ المشروع، قررت مدينة شتوتغارت عام 2003 سحب رخص البناء بشكل نهائي. هذه الخطوة أغضبت ترامب كثيرا الأمر الذي دفعه إلى رفع دعوى قضائية ضد سلطات المدينة مطالبا إياها بتعويضات مالية تقدر بملايين اليورو، تكبدها خلال عملية التخطيط. بيد أن المحكمة المعنية في شتوتغارت رفضت قبول شكوى ترامب مرتين على التوالي. وكان مصير مشروع ترامب في شتوتغارت نفس مصير نظيريه في فرانكفورت وبرلين، حيث تبخرت جميعها وتبددت في الهواء.
ترامب يخطئ في تقييماته
وقد ينظر البعض بتهكم إلى فشل ترامب في دخول سوق العقار الألماني، لكن العارفين في هذا القطاع يعلمون جيدا أن من بين عشرة مشاريع عقارية يتحقق فقط مشروع واحد على أقصى تقدير. وهذا أمر معتاد في قطاع العقارات ولا يعني بالضرورة أن ترامب قد فشل.
من جانب آخر ينبغي على ترامب أن يكون سعيدا لعدم نجاح خططه في ألمانيا. ذلك أن شريكه السابق في شركة "تي دي ترامب دويتشلاند" أولريش مارساي، كان قد تورط في صفقات نصب واحتيال من أجل إنقاذ سلسلة المستشفيات التي يملكها في هامبورغ، وفق ما كشفت صحيفة "فيرتشافتسفوخه" الألمانية.
ومن جهة أخرى، قد يصاب ترامب بغضب شديد عندما يعلم بأن أكبر برج سكني يتكون من 47 طابقا و401 شقة، يتم تشييده حاليا في مدينة برلين من قبل شركة ألمانية. كما يتم تشييد بناية فاخرة جدا في "الحي الأوروبي" في مدينة فرانكفورت، أي في تلك الضاحية التي رفض ترامب الإستثمار فيها بأي شكل من الأشكال قبل 15 عاما. وتبين فيما بعد أنه قد أخطأ التقدير آنذاك، إذ أعلنت الشركة المكلفة بتسويق الوحدات السكنية هناك بأن 70 بالمائة من الشقق قد بيعت مقابل 19 ألف يورو للمتر المربع الواحد.
فولفغانغ ديك/ ش.ع