هل يحتاج أداؤنا فى مجال السياسة الخارجية إلى إعادة نظر؟. أظن أن هذا السؤال جدير بالطرح، يدلل على ذلك مآل الحال فى العلاقات المصرية الخليجية من ناحية، وفى ملف سد النهضة من ناحية أخرى. لست بحاجة إلى أن أحدثك عن حالة التوتر التى تسيطر هذه الأيام على ملف العلاقات المصرية الخليجية، والتى كان أبلغ مؤشراتها البيان الأخير الصادر عن مجلس التعاون الخليجى للتعبير عن رفضه الزج باسم قطر فى البيان الصادر عن وزارة الداخلية المصرية للإعلان عن تفاصيل القبض على الخلية الإرهابية المسئولة عن تفجير الكنيسة البطرسية. البيان فى تقديرى لم يأتِ بجديد، بل عكس بشكل رسمى معلن ما هو مستتر فى الضمائر، خصوصاً الضمير السعودى، وقد تأكد هذا الأمر فى الزيارة التى قام بها مستشار عاهل المملكة لدولة إثيوبيا وتفقده لأعمال البناء فى سد النهضة!.
ويبدو أن أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وصلت هى الأخرى إلى طريق مسدود، بعد الخطوة غير المحسوبة التى اتخذتها مصر بتوقيع ما أطلق عليه إعلان المبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان الذى تضمن اعترافاً مصرياً صريحاً بمبادئ اتفاقية عنتيبى، فى الشق المتعلق بحق دول النيل فى استغلال مياهه فى المشروعات التنموية، والشق المتعلق بتجاوز مبدأ الحقوق التاريخية، والذى استندت إليه مصر لسنوات طويلة فى الحصول على حصتها من مياه النيل. ولست بحاجة إلى تذكيرك بأن السياسة الخارجية المصرية لم تفلح فى إثناء السودان عن موقفه الداعم لمشروع سد النهضة وخطة إثيوبيا فى ملئه. والمشكلة أن عدم التوفيق فى إدارة الملفين الخليجى والإثيوبى له تداعيات شديدة السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاستثمارية والتنموية فى مصر.
أسلوبنا فى إدارة علاقاتنا الخارجية أصبح بحاجة إلى وقفة، وأهم ما يجب أن يراجع فيه مجموعة الأسس التى استندت إليها هذه الإدارة فى تعاملاتها خلال السنوات الماضية، أول هذه الأسس يمكن تحديده فى «الإدارة التليفزيونية لسياساتنا الخارجية». لعلك تذكر الحركة التليفزيونية التى أطاح فيها وزير الخارجية سامح شكرى بميكروفون قناة الجزيرة وما قوبلت به من حفاوة، ولعلك تذكر أيضاً الحفاوة التى قابل بها الإعلام التوقيع على اتفاقية المبادئ مع إثيوبيا، والدفاع التليفزيونى المستميت عن سعودية جزيرتى تيران وصنافير. لقد اعتمدنا على أسلوب يمكن وصفه بـ«أسلوب اللقطة» فى إدارة علاقاتنا الخارجية، وهو أسلوب كان يشبع رغبتنا فى التهليل لأنفسنا للحظات، لنلبس بعدها مشكلات يمكن أن نعانى منها لسنين. ثانى هذه الأسس ضرورة أن يتخلى المسئول الأول عن ملفاتنا الخارجية: «وزير الخارجية» عن وظيفة السكرتير التى تكرست فى عصر «مبارك». فى حدود ما أذكره لم يقدم وزير خارجية مصرى استقالته طيلة ثلاثين عاماً من حكم مبارك، وعلى مدار ما يقرب من ست سنوات من ثورة يناير 2011. لم يحدث أيضاً أن قدم وزير خارجية استقالته. حدث ذلك فقط فى عصر الرئيس الراحل أنور السادات، حين قدم إسماعيل فهمى وزير الخارجية استقالته عام 1977، اعتراضاً على زيارة «السادات» لإسرائيل، وأعقبه محمد إبراهيم كامل باستقالة من منصبه كوزير للخارجية اعتراضاً على قبول «السادات» لبعض الشروط فى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. غير كده كله سكرتارية!.