برغم أننا انتخبنا رئيسا للجمهورية لأول مرة فى تاريخنا إلا أننا ما زلنا فى المرحلة الانتقالية، فتغيير أى نظام سياسى يمر عادة بمراحل انتقالية تحكمها سنن مختلفة عن السنن السائدة فى النظم المستقرة ديمقراطيا.
يكون التركيز فى المراحل الانتقالية على تحقيق الانتقال الحقيقى للسلطة من النظام القديم إلى حكومة ديمقراطية منتخبة. وهذا لم يتحقق عندنا بعد نظرا لحل مجلس الشعب، ووجود حكومة معينة من قبل رئيس الجمهورية، ودخول البلاد فى متاهات سياسية وقانونية.
وبمجرد تحقق الانتقال ويكون لدينا مؤسسات منتخبة وشرعية (برلمان منتخب وحكومة منبثقة عن البرلمان)، تبدأ عملية تحول ديمقراطى تتصدى خلالها هذه المؤسسات لكافة الملفات الشائكة التى تتطلب عدة أمور لا تتوفر الآن فى مصر، وأهمها وجود هذه المؤسسات أولاً ووجود أكبر قدر ممكن من الاستقرار السياسى ومن التوافق السياسى، وأقل قدر ممكن من المعارضة. بجانب قدر كبير من الحكمة فى ترتيب الأولويات وفى اختيار التوقيت المناسب لخوض المعارك السياسية.
وأقصد بالملفات الشائكة كل القضايا التى تلى الانتقال فى الأهمية، والتى تحتاج فى أغلب الحالات وقتا ممتدا لأسباب مختلفة، والأمثلة هنا تتضمن ملف إصلاح القضاء وكافة المؤسسات الرقابية الأخرى ومعالجة العلاقات المدنية العسكرية والملفات الخارجية وغير ذلك. ولا يعنى هذا أن هذه الملفات هامشية، فهى بالطبع ليست كذلك، وإنما ما أعنيه هو ضرورة الاستعداد الجيد لها قبل معالجتها عن طريق بناء مؤسسات منتخبة وبشرعية شعبية غير مشكوك فيها، فضلا عن الاستعانة بفرق عمل من المتخصصين. أما فتح هذه الملفات على يد حكومة ضعيفة ومجلس نيابى غير مكتمل وعلى يد غير المتخصصين، فيصنع الكثير من الأزمات كما يحدث الآن عندنا.
بجانب أنه لا يجب التخلى فى المراحل الانتقالية عن محاولات الوصول إلى الحلول الوسط والتوافقات فى معالجة الخلافات السياسية، ولا يجب أن يسود منطق السلطة والمعارضة أو تصور أن ساحات المحاكم أو صناديق الانتخابات قادرة على حسم هذه الخلافات. ولا يجب هنا تبرير عدم نجاح مؤسسة الرئاسة باستهداف المعارضة لها، فالرئيس يمتلك السلطة وكان يجب أن يستمع إلى من نصحوه بالعمل على جذب تأييد الـ49 بالمائة من الناخبين الذين لم يصوتوا له كما يفعل كل الرؤساء المنتخبين عندما يسعون إلى توسيع قاعدة المؤيدين لهم، وذلك بدلا من الاستماع إلى نصائح جهات معينة له بإرضاء جماعته التى رشحته وأيدته بالانتخابات حتى يمكن إعادة انتخابه من جديد وحتى لا تتأثر قاعدة حزبه الانتخابية. هذا بجانب تصوير الأمر له وكأننا فى بلد مستقر سياسيا وتعود على الممارسة الديمقراطية.
فى الحقيقة الرئيس المنتخب ورث إرث سنوات مبارك الاستبدادية وإرث الإدارة السيئة للمجلس العسكرى وتحمل اختيارات جماعته أيضاً، ولا أجد مخرجا له إلا بمشاركة السلطة مع العقلاء من كافة التيارات الأخرى وهم كثر، واختيار رئيس وزراء من خارج التيار الإسلامى وتوزيع الملفات المختلفة على فرق عمل من المتخصصين. وأعيد هنا اقتراح ما كتبته على هذه الصفحة بتاريخ 6 نوفمبر 2012 (وقبل الإعلان الدستورى الذى سبب أزمات كثيرة) من أن على الرئيس أن يعلن عن أنه لن يترشح لفترة ثانية وأن ولايته الحالية ولاية تأسيسية، وأن يحرر نفسه من التفكير فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة قبل فوات الأوان.