(١) تكمن مشكلة الإخوان فى ثلاثة أمور رئيسية؛ الأول متعلق بنوعية القيادة، والثانى خاص بالأفراد بشكل عام، والثالث له علاقة بالشورى.. فعندما تتوافر للجماعة قيادة على علم وفهم وفقه، ولديها رؤية واضحة وشاملة، علاوة على التزامها بإجراء الشورى الحقيقية داخل الجماعة، وعندما تتغير ثقافة السمع والطاعة والثقة فى القيادة لدى الأفراد بحيث يمارسون دورهم الواجب فى مساءلة ومحاسبة القيادة، فهذا يقلل بغير شك من أخطاء الجماعة.. والمتأمل فى كل المراحل التى انزلقت فيها الجماعة إلى أخطاء قاتلة، يجد سببها الخلل الواضح فى هذه الأمور الثلاثة.. فى الأزمة التى نشبت بين الإخوان والسلطة عام ١٩٩٤، اقترحت على مصطفى مشهور، نائب المرشد العام آنذاك، أن نكتب بياناً نوضح فيه موقف الإخوان إزاء كافة القضايا؛ كالعنف والإرهاب، النقابات، التنظيمات السرية، الإصلاح، الحكم، والوحدة الوطنية.. وبالفعل قمت بكتابة البيان وعرضته عليه فوافق على كل ما جاء به، وقمت بالتوقيع عليه باعتبارى عضو مجلس شعب سابقاً، وأرسلناه إلى كل مؤسسات الدولة، وقد ذكرت ذلك فى كتابى «ذكريات د. محمد حبيب.. عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر»، تحت عنوان «من وثائق الإخوان المسلمين (٧/٨/١٩٩٤)».. وفى قضية الوحدة الوطنية، قلت: «أباحت الشريعة الإسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الأحوال الشخصية، وعملت على صيانة ذلك إلى أبعد مدى.. وتؤكد رسائل الإمام البنا وكتابات الإخوان عامة على هذا المفهوم، كما تعمل على تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التى اتفق عليها الفقهاء قديماً: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. ويرى الإخوان أن المواطنة أو الجنسية التى تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم (أهل الذمة)، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة فى الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية من «زواج وطلاق ومواريث..»، طبقاً لعقيدة كل مواطن. ويمثل الأقباط مع المسلمين فى مصر نسيجاً اجتماعياً وثقافياً وحضارياً واحداً تداخلت خيوطه وتآلفت ألوانه وتماسكت عناصره»..
(٢) وفى أوائل أبريل ١٩٩٧، حيث كنت وآخرون فى سجن ملحق مزرعة طرة، نقضى ٥ سنوات هى مدة المحكومية التى حكمت بها المحكمة العسكرية علينا، أجرى الأستاذ خالد داوود، المحرر بصحيفة الأهرام الأسبوعى (الأهرام ويكلى)، حواراً مع مصطفى مشهور، المرشد العام للإخوان، ويبدو أن الحوار تناول قضية العلاقة مع إخواننا الأقباط بشكل خاطئ، وهو ما جعل المستشار المأمون الهضيبى، نائب المرشد آنذاك، يقوم بمراجعة «مشهور»، والاتفاق على إرسال رد إلى الصحيفة يعقب ويصحح فيه ما نشر، وفى الوقت ذاته أرسل الرد إلى صحيفة «الشعب» التى نشرته فى ١١/٤/١٩٩٧، تحت عنوان «تعقيب مصطفى مشهور على ما نشرته الأهرام ويكلى».. وفيما يلى نص الرسالة:
الأستاذ خالد داوود المحرر بالأهرام الأسبوعى (الأهرام ويكلى).. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فقد تقابلت معى فى حديث حول رؤى الإخوان المسلمين إزاء عدد من القضايا، وقد اطلعت على ما نشرتموه خاصاً بذلك فى الأهرام ويكلى، فاتضح أن ثمة تشويشاً فى المفاهيم التى آثرت إيضاحها وتجليتها فى استناد إلى الحقائق والأصول، وأيضاً أدبيات الإخوان المسلمين، ولذلك رأيت أن أكتب إليك موضحاً الأمر فى صورته القاطعة طبقاً لما اعتمده الإخوان منذ نشأة جماعتهم، ومن ثم أقرر الآتى:
أولاً: إن تفسير الآية القرآنية الكريمة الواردة فى سورة التوبة بخصوص «الجزية» مستقر على أنه خاص بمن حارب الإسلام والمسلمين، والأخوة المواطنون الأقباط بمصر يخرجون عن هذا النطاق بالكلية، ومنذ أجيال متلاحقة، وجميع أهل مصر يعيشون معاً مواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات وقد حاربوا معنا أعداء الوطن دون تمييز بين عقيدة ودين المصرى المدافع عن وطنه، والعدو الغازى والمعتدى على الوطن..
ثانياً: إن كون المسلمين يحاربون دفاعاً عن عقيدتهم فذلك يشمل بالضرورة أنهم يدافعون عن وطنهم، ومن ثم فالدفاع عن الوطن مما يأمر به الدين الإسلامى، وأن يدافع المواطن غير المسلم عن وطنه المصرى، فهو إذاً يشارك المواطن المسلم فى المبدأ ولا مجال لأى تفرقة.. وقد أصدر الإخوان المسلمون نصاً واضحاً بهذا الخصوص ضمن نقاط التقاء فى مشروع الوفاق الوطنى التى طرحوها، حيث جاء بالبند الثانى فى المقدمة قولهم «وقد أصدرنا فى شهر ذى القعدة ١٤١٥/ أبريل ١٩٩٥ بياناً شمل عدداً من القضايا المهمة الأخرى موضحين موقفنا من الناس عامة، وأكدنا أننا لا نشغل أنفسنا بتكفير أحد ونقبل من الناس ظاهرهم وعلانيتهم، فنحن «دعاة لا قضاة».. كما أعدنا التذكير بموقفنا الثابت والمعروف بخصوص إخواننا الأقباط، وأنهم أخوة مشاركون فى الكفاح لتخليص هذا الوطن من الاستعمار الأجنبى.. فلهم حقوق المواطنة الكاملة، المادى منها والمعنوى.. أى إن لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. كما أوردنا النص على النقاط الآتية: أ- تأكيد حرية الاعتقاد الخاص، ب- تأكيد حرية إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية المعترف بها، ج- تأكيد حرية الرأى والجهر به والدعوة السلمية إليه فى نطاق النظام العام والآداب العامة والمقومات الإنسانية المسلَّم بها ولا مجال لأى تفرقة فى الأحكام الدنيوية المتعلقة بذلك..
ثالثاً: إن ما سبق أن أعلنه الإخوان المسلمون بلسان قياداتهم المتعاقبة وما نشروه من مناهجهم هو أن أبناء الوطن -مسلمين ومسيحيين - هم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، وعلى وجه الخصوص هم متساوون فى تولى الوظائف العامة، ومن حق كل مواطن ومواطنة المشاركة فى الانتخابات، حق التصويت أو حق الترشيح وتولى عضوية المجالس النيابية.. والإخوان المسلمون الذين أكدوا ذلك فى أدبياتهم منذ قيام جماعتهم عام ١٩٢٨ حتى اليوم، واستنكروا ويستنكرون أى عدوان على فريق من أبناء هذا الوطن أو انتقاص لحقوق أى من أبنائه.. يهمهم أن يؤكدوا هذه الأصول والمعالم المستندة إلى فهمهم للكتاب والسنة والتزامهم بشرع الله عز وجل..
كانت هذه نظرة الإخوان (أو بالأحرى قيادات الإخوان) تجاه إخواننا الأقباط بالأمس، أما اليوم، أى منذ فض اعتصام رابعة وحتى الآن، فقد اختلف الأمر كثيراً! (وللحديث بقية إن شاء الله).