لا يملك «الإخوان» غير وسيلة واحدة لمعالجة كل الأزمات أو حتى للرد على أسئلة المواطنين والإعلاميين.. وهذه الوسيلة تتلخص فى إجادة المراوغة والكذب والاجتراء على الحق وإنكار الحقائق حتى لو كانت ساطعة!
وخلال الأيام الماضية، انتظرت أن أسمع أى معلومات عن كواليس أو فلسفة التعديل الوزارى الأخير، ومساء أمس الأول ظهر الدكتور هشام قنديل بنفسه على إحدى الفضائيات ليتحدث عن أمور كثيرة، كان من أهمها التعديل الوزارى الذى حدث وحركة المحافظين التى ستحدث فى أقرب وقت كما قال، فإذا بى أمام الطريقة الإخوانية العتيدة فى الكذب والمراوغة والإنكار والاجتراء.
فى تبريره لتأخير التعديل الوزارى، قال هشام قنديل إن السبب الأول للتأخير يعود إلى رفض بعض الأشخاص المنتمين لأحزاب معارضة تولى مناصب وزارية، والأهم من هذا التبرير الذى لا يوجد أدنى دليل على صحته أن قنديل استند عليه فى توجيه نقد لاذع لهؤلاء المعارضين الذين رفضوا الانضمام للحكومة بقوله: من الظلم أن يقرر بعض الأشخاص المعارضين عدم المشاركة فى الحكومة، وبعد ذلك يهاجمون من يجتهد ويقرر المشاركة.
والحقيقة أن ما قاله قنديل لا يحتاج إلى أى جهد أو ذكاء لتفنيده أو لإثبات تهافته، فقد أصبح كل من لديه قدرة، ولو محدودة، على التحليل قادراً على تفكيك أى خطاب إخوانى وكشف وسائل المراوغة والكذب والتضليل فيه بمنتهى السهولة ولكن الإخوان رغم ذلك يواصلون استخدام هذا التكتيك اللئيم، لأنهم يعرفون أنه «يخيل» على القاعدة الشعبية العريضة التى تمثل لهم رصيداً استراتيجياً ضخماً فى غزوات الصناديق.
إن قنديل فى حديثه لا يخاطب النخبة المثقفة الواعية ولا يعنيه إطلاقاً أن تدرك هذه النخبة فظاعة المراوغة والاجتراء فى اختلاق حكاية المعارضين الذين رفضوا تولى مناصب وزارية، فهو يعلم أننا نعلم أنه لا يوجد معارض واحد تلقى اتصالاً حقيقياً من رئيس الوزراء أو من رئيس الجمهورية بهدف عرض منصب وزارى عليه، وهو يعلم أننا نعلم أن اختيار الوزراء الحاليين والسابقين واللاحقين هو من صميم اختصاص مكتب إرشاد الجماعة الذى سطا على حكم مصر من خلف ظهورنا، وأن رئيس الجمهورية نفسه ليس أكثر من مندوب لهذا المكتب فى مؤسسة الرئاسة!
ولعلنا جميعاً نتذكر أن هذا التكتيك الإخوانى فى اختلاق كذبة وترويجها، ثم الاستناد عليها فى تبرير تصرفاتهم كان هو السبب الأوحد فى إفساد كل فرص التوافق بين القوى السياسية على اختلاف توجهاتها خلال المرحلة الانتقالية ولن أنسى أبداً أننى ذات مرة كنت أحد الذين طلبت منهم إحدى الجهات ترشيح عدة شخصيات لمنصب رئيس الوزراء وبعد ساعتين فقط اتصلت بمندوب هذه الجهة وأبلغته بأسماء 6 شخصيات، ويومها ضحك الرجل، وهو يسألنى: إيه الحكاية؟.. ثم أضاف: كل الذين طلبنا منهم ترشيح أسماء، اتفقوا على 4 شخصيات تحديداً من بين الستة الذين قمت بترشيحهم وبعد 48 ساعة فقط، فوجئت بأبواق الإخوان المنتشرة على كل الفضائيات وفى الصحف، وقد اتفقت على ترديد رسالة واحدة، مؤداها أن هؤلاء الأربعة المرشحين من كل القوى السياسية، يرفضون تولى منصب رئيس الوزراء، وللوهلة الأولى كدت أصدق الأمر على اعتبار أنه مهما بلغت جرأة أى إنسان أو تنظيم فى الكذب، فسوف يفكر ألف مرة قبل أن يطلق كذبة بهذا الحجم تتعلق بأشخاص على قيد الحياة وبإمكان كل منهم أن يخرج على الملأ لفضح الإخوان.
وقد اتصلت آنذاك بالأشخاص الأربعة، وسألت كلاً منهم: هل صحيح أنك رفضت تولى منصب رئيس الوزراء؟ وكانت الإجابة واحدة: لم يعرض أحد المنصب علىّ من الأساس!
هل نطالب هشام قنديل بإعلان أسماء المعارضين الذين عرض عليهم مناصب وزارية فرفضوها؟ الحقيقة أنه مطالب بذلك.. ولكن المؤكد أنه لن يفعل ذلك أبداً، لأنه ببساطة لم يعرض شيئاً على أحد ولا يعنيه أن يكون مخادعاً فى نظر النخبة وإنما كل ما يعنيه أن «تخيل» مبرراته المغلوطة على البسطاء الذين يمثلون أغلبية كاسحة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.