تواجه مصر والمنطقة العربية مخاطر كبرى من الإرهاب المتشح بالدين، وهى معركة ليست جديدة، فقد بدأت منذ زمن ولكننا للأسف طرف سلبى مفعول به، ومن ثم ندفع ثمناً غالياً كل يوم، وأصبحت المعركة باهظة التكلفة، ليست المادية فقط ولكنها الإنسانية، فإخوتنا وأولادنا من الجيش وأيضاً المدنيين فى العريش يسقطون فى معركة الدفاع عن الوطن كل يوم، أيضاً ما حدث مؤخراً من استهداف الأقباط فى هذه المعركة موجع ومحرج للدولة لإظهارها بموقف الضعيف.
وفى تقديرى هذه المعركة سوف تطول لأن الجيش وحده على خط المواجهة، فى الوقت الذى يجب أن يكون فى المقدمة الأزهر الشريف ودار الإفتاء، وهو المنوط بهما نزع الوشاح الدينى عن تجار الدين، ونشر الإسلام الصحيح الذى ينير المجتمع ويحرم عصابات الإرهاب من الدعم البشرى والمعنوى، فالأفكار المتطرفة تغزو المجتمع المصرى بقوة وتخلق للإرهابيين أرضاً خصبة فى كل مكان، فلا أعتقد أن العريش حالة متفردة، بل إن كل مصر مستهدفة، وبالدرجة الأولى حدودها.
فيجب النظر بكثير من القلق والريبة إلى التغول السلفى فى مصر لاسيما فى المحافظات الحدودية، هذا الوضع يجعلنا نتحسب كثيراً ماذا لو فتحت بؤرة نار فى الحدود الغربية أو الجنوبية، هل سيقف السلفيون مع الدولة المصرية أم مع الدويلات التى تدعى أنها إسلامية فى الجوار؟!
هنا السؤال للأزهر والإفتاء: من المسئول عن هذا الانتشار للأفكار السلفية المتشددة التى تشكل الخطوة الأساسية لإمداد داعش ومن على شاكلتهم بالمناصرين والمحبين الذين قد يخرجون من كل شق وجحر فى حال انتصار الإرهاب كما حدث فى دول أخرى.
ولكن أخشى أن يكون انتظار أن يلعب الأزهر والإفتاء دور تنوير هو محض سذاجة، لاسيما مع صدور مؤشرات مقلقة من خلال تصريحات قيادتهما التى تعكس غياب التفكير العلمى أو المنهجى والإغراق فى أفكار شديدة السلفية أو الانطباعات الشخصية، وكأنهم من عوام الناس يبنون آراء دون فكر أو تحليل.
فقد خرج علينا المفتى بتصريح رداً على قضية إثبات الطلاق رسمياً بأن الخلع هو سبب انتشار الطلاق فى مصر، وهنا لا أناقش قضية الطلاق ولكن قضية بناء الرأى والتصريح به لشخص فى موقع مفتى الديار المصرية، فمن المفترض أن شخصاً بموقع سيادته لا ينطق فى أى قضية إلا استناداً على معلومات مدققة وموثقة ورجوع لأهل العلم، ولو كلف نفسه بالرجوع إلى إحصاءات وزارة العدل لعرف أن الخلع يمثل 3% من إجمالى حالات الانفصال، ما يجعل موقفه يختلف ليكون مدافعاً عن المطالبة ليس فقط بإثبات الطلاق، وإنما بوضع قيود وجعله لا يقع إلا أمام المحكمة ربما يقلل من نسبة 97% من الحالات تقع من طرف الرجل، وهو نظام متبع فى دول إسلامية كثيرة، ولكن هذا التصريح عكس منهجاً انطباعياً شخصياً يجعلنا نشك فى كثير من الآراء والفتاوى الأخرى وقدرتها على الاستجابة إلى تطورات العصر ومواجهة الأفكار المتطرفة.
أيضاً خرجت علينا أستاذة وعميدة كلية فى الأزهر وصاحبة برنامج تليفزيونى بتصريح «أن من حق المسلم اغتصاب غير المسلمات وإذلالهم»، وهو ما يقوم به تنظيم داعش مع المسيحيات والأزيديات فى العراق وسوريا، ولا أعرف من أى كتب صفراء جاءت بهذا التصريح الداعشى ولدينا وثيقة أبوبكر بآداب الحروب، التى أكد فيها عدم الترويع والقتل واحترام النساء والأطفال والشيوخ ورجال الدين الآخرين والزرع والحيوانات والطيور والبيوت، أكانت هذه الوثيقة كذباً ولا توجد فى التاريخ الإسلامى وتم التدليس على أجيال؟!، وإن كانت الوثيقة كاذبة ما تفسير ما ورد فى سورة «الإنسان» الآية 8، بسم الله الرحمن الرحيم «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» التى أكدت رعاية الأسير بدرجة رعاية المسكين واليتيم، اللذين من يكفلهما يجاور الرسول فى الجنة؟
هل يستطيع الأزهر والإفتاء مراجعة نفسيهما ومواجهة علماءهما أم سيظل الجيش فقط يواجه الإرهاب بدمائه؟!