(١) هذا هو المقال (٢٣) من سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، وفيه نستكمل ما حدث فى انتخابات مجلس الشعب المصرى عام ٢٠٠٥.. وقد ذكرنا فى المقال الفائت كيف أن السلطة آنذاك أبدت عدم ارتياحها لمجموعة من المظاهر أثناء الدعاية الانتخابية، خاصة إقبال عشرات الآلاف من الجماهير على المسيرات والمؤتمرات التى عقدها الإخوان، بما يشير إلى أن نتيجة الانتخابات سوف تكون غير مسبوقة بالنسبة للإخوان.. لذا، فقد طلب منا (أنا وخيرت الشاطر) صراحة تخفيض عدد المرشحين إلى أقل ما يمكن.. ولأننا كمسئولين عن العملية الانتخابية، كنا نستهدف ضرورة عدم وجود أزمة بين السلطة والإخوان حتى لا يكون هناك أثر سلبى على الجماهير، فقد قمنا بالاتصال بمسئولى المكاتب الإدارية واللجان الانتخابية فى المحافظات، وتحدثنا معهم بشأن تخفيض الأعداد من ١٨٠ إلى ١٤٠، أى بنسبة ٢٢٪ تقريباً، فنحن نواجه سلطة قمعية باطشة، وقد بدأت تكشر عن أنيابها، ويجب ألا نغتر بما أبدته من ابتسام، وقد قيل:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
لقد كان رأيى -ولا يزال- هو أن تأزم العلاقة بين السلطة والإخوان ليس فى مصلحة أحد على الإطلاق، سواء السلطة أو الإخوان أو الشعب، المستفيدون من وراء ذلك هم فقط أعداء الوطن، داخلياً وخارجياً، هؤلاء لا يريدون أن يتفرغ المخلصون من أبناء الوطن فى العمل على نهضته ورقيه وتقدمه، ومن ثم كان على الإخوان واجب تفويت الفرصة على هؤلاء الذين يجيدون الصيد فى الماء العكر من أجل مشاريعهم الخاصة، على أطلال الوطن، وكان رأيى أيضاً -ولا يزال- هو أن وجود ثلاثين نائباً فى المجلس النيابى يستوى مع ٦٠ أو ٧٠ أو حتى ٩٠ نائباً، طالما أنه دون التأثير فى القرار، فى ظل مجلس تشريعى خاضع -من خلال أغلبية مزيفة- لتغول السلطة التنفيذية المستبدة، لا يمكن لأى معارضة مهما علا صراخها أن يكون لآرائها أو اقتراحاتها، مهما كان صوابها أو وجاهتها، أى استجابة، إضافة إلى ذلك، أن عدد ٣٠ نائباً على كفاءة عالية وأداء متميز يستطيعون أن يقوموا بعمل ١٠٠ من النواب ليسوا على المستوى المأمول.
(٢) لقد كنا نعتبر فيما مضى أن للجماعة ثلاث وظائف: تربوية ودعوية وسياسية، وكنا نرى أنها وظائف تكاملية، أى يكمل بعضها بعضاً، لذا لزم أن يكون بينها نوع من التوازن، فلا يطغى -أو يؤثر سلباً- بعضها على البعض الآخر، على سبيل المثال، إذا كانت هناك مكاسب كبيرة سوف يتم تحصيلها فى المجال السياسى، وأن هذه المكاسب سوف تؤثر سلباً -وبشكل حاد- على المجالين؛ التربوى والدعوى، فإنه من الغفلة وعدم الوعى أن يقدم الإخوان على ذلك، إذ الأصل -فى تصورى- أن تكون الوظيفة السياسية خادمة ومفيدة للوظيفتين الأخريين، لا خصماً من رصيدهما (كما حدث بعد ثورة ٢٥ يناير، عندما أخطأ الإخوان بمحاولة الاستحواذ على كل شىء، بما فى ذلك قمة هرم السلطة فى مصر). لذا، من الأفضل أن يحصل الإخوان على مكسب سياسى معقول، لا يشكل فزعاً للسلطة أو للآخرين، فى مقابل أن تأخذ الوظيفتان: التربوية والدعوية فرصتهما.. ثمة أمر آخر كان على قدر كبير من الأهمية، حاولت إيضاحه للإخوان، وهو أننا يجب أن نخلى بعض الدوائر للأحزاب والقوى السياسية، خاصة إذا كان لديها مرشحون على مستوى جيد، ويمكن أن يؤدوا نفس الدور أو قريباً منه، ذلك سوف يكون له أثر طيب على الصلة بين الإخوان وبين الأحزاب والقوى السياسية من ناحية، ويقلل من استفزاز أو استعداء السلطة من ناحية أخرى، لقد كان من المرفوض شكلاً وموضوعاً ألا يحرص الإخوان على التنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية فى هذه القضية بالذات، ثم يتساءلون بعد ذلك لماذا لا تقف معهم هذه الأحزاب حين يضيق الخناق عليهم؟!
(٣) هناك من الإخوان من تفهم الوضع وقام عن رضا بتخفيض عدد المرشحين فى دوائرهم؛ من ٩ إلى ٦ أو ٧ مرشحين، وهكذا، وهناك من الإخوان من لم يستوعب الفكرة ورفضها، بل منهم من قال: نحن نعمل ونتحرك طالما كانت هناك سعة، وينكمش عملنا إذا ضيق علينا! قلت معقباً: وإذا كان عملنا وحركتنا سبباً فى التضييق علينا، أليس ذلك أدعى إلى أن نتدبر أمرنا؟! كانت هناك أيضاً حالة ثالثة، وهى أن بعض الإخوان تفهموا الفكرة، لكنهم لم يستطيعوا التجاوب معها لظروف خارجة عن إرادتهم، فقد بدأت الدعاية الانتخابية عندهم فى الدوائر مبكراً وأخذت العائلات من مرشحيهم عهوداً ومواثيق، يصعب بل يستحيل معها الانسحاب، وقد تفهمنا من جانبنا ذلك، كنا نتمنى أن ينخفض عدد المرشحين إلى ١٢٠ أو ١٣٠ أو حتى ١٤٠ مرشحاً، لكننا لم نستطع، وكل ما توصلنا إليه هو ١٦١ مرشحاً، وكان توقعنا أن يفوز منهم ٥٥ أو ٦٠ مرشحاً على أقصى تقدير، غير أن أقدار الله جاءت بما لم يكن فى التصور والحسبان.
(٤) كما سبق أن ذكرنا، كان من الصعب أن تتقدم «الجبهة الوطنية للتحول الديمقراطى»، برئاسة الدكتور عزيز صدقى (رئيس وزراء مصر الأسبق)، لخوض انتخابات مجلس الشعب عبر قائمة واحدة، لكن ذلك لم يمنع من محاولة التنسيق بين مكونات «الجبهة»، وقد تم اختيار الدكتور السيد البدوى، سكرتير عام حزب الوفد آنذاك، لرئاسة لجنة التنسيق، كان فى تصور كاتب هذه السطور أن يتم التنسيق على ٣ مستويات: المستوى الأول، هو إذا كان هناك مرشح متميز من أى فصيل ومعه مرشحون من فصائل أخرى فى دائرة ما، فيجب أن تخلى له الدائرة وتقف خلفه كافة الكتل التصويتية لكل فصائل هذه الدائرة المستوى الثانى، وهو إذا كان هناك مرشحان أو أكثر متساويان فى الكفاءة والكتل التصويتية لفصيلين أو أكثر، فهنا يجب التنازل لواحد منهما على أن تكرم الفصائل الأخرى فى دوائر أخرى، والمستوى الثالث، هو إذا كان هناك مرشح واحد لفصيل فى دائرة ما، فيجب أن تتكتل كل فصائل المعارضة وراءه. من جانب الإخوان، كان يوجد لديهم عرف ثابت ومستقر وهو أنهم لا يرشحون أحداً منهم فى الدوائر التى بها مرشحون من قيادات المعارضة أو من بعض رموز السلطة، غير أنه كانت هناك دائرة أثارت جدلاً ظلت آثاره باقية لفترة طويلة، وهى دائرة كفر شكر التى كان يترشح فيها لعقود السيد خالد محيى الدين، الرئيس السابق لحزب التجمع، وكان الإخوان لا ينافسون الرجل عليها، وكانت النية منعقدة على ذلك فى هذه الانتخابات، لكن ما حدث فى تلك يستحق أن نتوقف عنده.. (وللحديث بقية إن شاء الله)..