البرلمان انقسم بشأن حكم مصرية تيران وصنافير إلى ثلاثة اتجاهات؛ الأول: رآه باتاً، ساوى بين الاتفاقية والعدم، الثانى: رآه منشئاً لمنازعة اختصاص تحسمها «الدستورية»، والثالث: تمسك بحقه فى تناول الاتفاقية، ليصل بها إلى نهاية كشفها رئيس البرلمان بطعنه على الحكم.. تزامن اقتراب موعد تولى المستشار دكرورى رئاسة مجلس الدولة، يوليو المقبل، مع تعديل البرلمان للمواد المتعلقة بتعيين رؤساء الهيئات بقانون السلطة القضائية، بما يتيح لرئيس الجمهورية اختيارهم، أثار القلق من احتمال استخدام التشريع كأداة لاستبعاده، محاولة المجلس الاستباق بترشيحه لرئاسته، يعكس التحدى ونية التصعيد.
عندما عُرِض التعديل على اللجنة التشريعية ديسمبر 2016، كان يتضمن أن يتم التعيين من قبَل رئيس الجمهورية من بين 3 نواب يرشحهم المجلس الأعلى بكل جهة قضائية، اللجنة دعت 6 من أعضاء نادى القضاة للتشاور، تلقت رفضاً من مجلس الدولة، وتمسكاً بالأقدمية، وتجاهلتها باقى الهيئات القضائية، المجلس الأعلى ونادى القضاة اكتفيا بإصدار بيانات بالرفض، ولم يخاطبا اللجنة، التى اعتبرته تهميشاً للبرلمان، أحاطتهم رسمياً بالقانون سداً للذرائع بمقتضى «المادة 185 من الدستور» المتعلقة بأن يؤخذ رأى كل جهة أو هيئة قضائية فى مشروعات القوانين المتعلقة والمنظمة لشئونها، والمادة 158 من اللائحة الداخلية للبرلمان، ثم قامت بتعديل النص ليستجيب لمبدأ الأقدمية!!، بالنص على الاختيار من بين أقدم سبعة يتم ترشيح 3 منهم ليختار رئيس الجمهورية أحدهم، اللجنة أقرته 27 مارس، بموافقة 24 نائباً ورفض 14 وامتناع اثنين، عرضته على المجلس بعد ساعة، دون توزيع المسودة!!، التسرع أثار استنكار بعض النواب، وعدم اطلاع الهيئات القضائية على التعديلات، يطرح شبهة عدم الدستورية.
معارضو القانون يرون أن البرلمان استعجل إقراره دون مبرر، وأهدر قاعدة الأقدمية، التى التزم بها العرف القضائى لعشرات السنين، لأنها تجنبه التنافسات، وتبعده عن المشاكل، وخالف «المادة 185» المتعلقة باختيار شاغلى المناصب القيادية، خاصة أن تعيين رئيس الجمهورية لرئيس محكمة النقض، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، رئيس السلطة القضائية، يفقده استقلاليته، ويهدر «المادة 5» المتعلقة بالفصل والتوازن بين السلطات، ويعتبر تدخلاً فى شئون القضاء، وهو جريمة لا تسقط بالتقادم «المادة 184»، ويتناقض و«المادة 159» المتعلقة بفرضية اتهام رئيس الجمهورية، التى كلفت النائب العام بالتحقيق، ورئيس مجلس القضاء الأعلى برئاسة المحكمة، فكيف يستقيم الأمر حال اختيارهما بمعرفة رئيس الجمهورية؟!.
مؤيدو القانون يرون أن الأخذ بنظام الأقدمية المطلقة فى التعيين أفرز أوجه قصور ينبغى معالجتها، خاصة بعد أن أصبح سن التقاعد 70 عاماً، ما أصاب بعض القضاة بحالات مرضية تؤثر على أدائهم، بينما الاختيار يدفع القيادات الأكفأ، وتزيَّد أصحاب هذا الاتجاه بالزعم بأن القانون يتعلق بإدارة مرفق القضاء وهى مسئولية السلطة التنفيذية!!، وأن غضب القضاة غير مبرر، لأن التعديل يتفق مع نصوص الدستور!!، وأن المعترضين عليه هم من يخالفونه!!.. وأن أخذ رأى الجهات فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها «لا يعنى اتباع ما جاء به، بل للاستئناس فقط»!!.
الأزمة الراهنة ترجع فى أحد جوانبها إلى أن الدستور جاء فى العديد من مواضعه كرد فعل لأزمات وقعت فترة حكم الإخوان؛ الاعتداء على المحكمة الدستورية، دفع لتحصينها بنص، يقضى باختيار الجمعية العامة لرئيس المحكمة من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة «المادة 192».. والإطاحة بالنائب العام ضمن تجاوزات الإعلان «غير الدستورى» نوفمبر 2012، نبه لتحصين المنصب بالنص على مسئولية مجلس القضاء الأعلى عن اختياره «المادة 189».. هل يستقيم النص على هذا التحصين، مع إغفال تحديد أسلوب اختيار رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذى يختار النائب العام؟!، إن عدم تعميم هذه النصوص على السلطة القضائية بكافة هيئاتها أمر مريب، يظهر الدستور وكأنه «نصوص عقابية» تقتصر على معالجة ما وقع فيه الإخوان من أخطاء وتجاوزات.. والأغرب أن قانون السلطة القضائية الحالى لا يزال ينص بـ«المادة 119» على أن رئيس الجمهورية يعين النائب العام منفرداً دون الرجوع لمجلس القضاء الأعلى، وهو المطبق بالفعل لأن القواعد الدستورية لا تطبق بنصوصها، وإنما من خلال القوانين.. بطء البرلمان فى تعديل القوانين لتتوافق مع الدستور الجديد، وعدم إلحاح السلطة القضائية فى المطالبة بذلك، أدى لتعيين النائب العام الحالى وفقاً للدستور القديم، ما كان ينبغى أن ينبه رؤساء الهيئات القضائية إلى أنهم «أُكلوا يوم أُكل منصب النائب العام».
البرلمان ملزم بعرض مشروع القانون على الفتوى والتشريع لإبداء رأيها الدستورى والقانونى، مجلس الدولة أعلن رفضه للقانون، ووصفه بـ«المشبوه»، وحذر من خطورة الأزمة «فرض علينا القتال وهو كره لنا.. سندافع عن الاستقلال وفصل السلطات ضد أى اعتداء غاشم»!!، لكن رأيه استشارى غير ملزم.. هيئة قضايا الدولة المنوط بها الدفاع عن الحكومة، تضامنت مع رفض الهيئات القضائية للتعديل، رئيس المجلس يرى أنه «كسلطة تشريعية لو قعدت أعمل حساب كل واحد بيرفض سن تشريع يخصه، هنشرع فقط للعمال والفلاحين»!!، ووكيل المجلس، مقدم القرار، يرى من العيب أن يقال إنهم «مشّوا كلامهم علينا»!!، وبعض النواب اقتحم الحلبة بإعداد مشروع للنزول بسن القضاة لـ65 عاماً، وآخر يلوح بالـ60.. أداء أقرب للمماحكات الفردية، وأبعد ما يكون عن المسئولية السياسية.. رغم أن هناك اتفاقاً بين البرلمان والقضاة على ضرورة تعديل قانون السلطة القضائية، نوادى القضاة أعدت مشروعاً وافقت عليه الجمعيات العمومية 2011، جارٍ الانتهاء من مراجعته وتحديثه، والمجتمع يحتاج لتعديل قانون الإجراءات الجنائية تحقيقاً للعدالة الناجزة، تلك هى الأولويات الأجدر بحكمة رئيس البرلمان، المسئول الثانى فى الدولة؛ أن يجمع عليها شيوخ «أهل مكة»، الأدرى بشعابها لاستعادة التضامن، وتجاوز أزمة، تبدو ككرة لهب، يتسع نطاقها كل يوم.
همسة أخيرة.. برلمانا الإخوان و30 يونيو على اختلافهما، استهدفا القضاة بنفس المنهجية، ما يتطلب بحث مبررات الاجتراء عليهم؛ التعيينات، الانتدابات، الهوى السياسى، التجاوزات السلوكية، المزايا والحصانات.. عناصر تحظى بالأولوية، وتفرض مراجعات ذاتية لتطهير الثوب الأبيض.. قرارات تعيين رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات القضائية ظلت لعشرات السنين كاشفة، لا منشئة، ولم تخصم من رصيد الرئاسة شيئاً، الرئيس فى غنى عن هذا الاختيار، وعن المنافقين المتملقين، وهى ليست بمعركته.. الفصل بين السلطات مبدأ أصيل، ركيزته استقلال القضاء، وعدم تغول سلطة على الأخرى، فما مبرر إلقاء كرات اللهب؟!.. صدام مؤسسات السلطة أخطر ما يمكن الانزلاق إليه.. هى فتنة كبرى.. فهل يتفق حكماء البرلمان وشيوخ القضاة على احتوائها؟!