أثناء احتفال الإخوة المسيحيين بـ«أحد السعف»، استهدف الإرهاب الأسود كنيسة مارجرجس بمدينة طنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية. وقد استتبعت هاتان الجريمتان لجوء الدولة إلى إعلان حالة الحداد العام فى جميع أنحاء الجمهورية لمدة ثلاثة أيام حداداً على أرواح شهداء الوطن ضحايا التفجيرين الإرهابيين، وذلك اعتباراً من يوم الأحد الموافق 9 أبريل 2017م وحتى غروب شمس يوم الثلاثاء الموافق 11 أبريل 2017م (قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 156 لسنة 2017)، وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر اعتباراً من الساعة الواحدة من مساء يوم الاثنين الموافق العاشر من أبريل عام 2017 ميلادية (قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 157 لسنة 2017م)، وإنشاء مجلس قومى لمكافحة التطرف والإرهاب.
ونعتقد أن محاربة الإرهاب والتطرف لن تتم إلا بمكافحة ومحاربة خطاب التمييز والكراهية. والواقع أن الدستور المصرى الحالى يؤكد على تجريم التمييز والحض على الكراهية. بيان ذلك أن المادة 53 الفقرة الثانية من الدستور تنص على أن «التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون». وتقرر الفقرة الثالثة من المادة ذاتها أن «تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض». وإذا كان المشرع الدستورى قد حظر توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى تُرتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، فإن هذا الحظر لا ينطبق على الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد. ففى هذه الجرائم، يتعين أن تكون العقوبة رادعة تتناسب مع جسامة الجرم المرتكب. وهذا المعنى هو المستفاد من المادة 67 الفقرة الثانية من الدستور، بنصها على أنه «لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى تُرتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها».
وتنفيذاً للأحكام الدستورية سالفة الذكر، يتعين أن تبادر الدولة إلى إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز والكراهية. فعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على دخول الدستور الحالى حيز التطبيق، فإن المفوضية المستقلة المشار إليها لم ترَ النور حتى تاريخه. ولعل ذلك هو أول الأسباب التى استدعت وضع علامات التعجب فى عنوان هذا المقال. كذلك، المأمول هو أن يصدر قانون متكامل لمكافحة خطاب التمييز والكراهية. وما نقول به ليس بدعة، حيث سبق للعديد من الدول الأجنبية إصدار قانون بهذا الشأن. فعلى سبيل المثال، وفى بداية حكم الرئيس السابق باراك أوباما، وتحديداً فى 28 أكتوبر 2009م، صدر قانون مكافحة جرائم الكراهية. وفى شهر مارس 2017م، وبناء على اقتراح نائبة من أصل باكستانى، أصدر البرلمان الكندى توصية إلى الحكومة لإدراك الحاجة للقضاء على المناخ العام المتزايد من الكراهية والخوف، وإدانة «الإسلاموفوبيا» وكل أشكال العنصرية والتفرقة الدينية الممنهجة بالبلاد. وعلى المستوى العربى، كانت دولة الكويت الشقيقة سبّاقة من خلال إصدار المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2012 فى شأن حماية الوحدة الوطنية. كذلك، أصدرت الإمارات العربية المتحدة المرسوم بقانون اتحادى رقم (2) لسنة 2015 فى شأن مكافحة التمييز والكراهية.
وبالنظر لأن المجتمع العالمى يموج حالياً بحالة من «الانكفاء على الذات» وموجة من «كراهية الآخر» وظاهرة «الإسلاموفوبيا» وصعود اليمين المتطرف فى العديد من الدول الأوروبية، لذا نعتقد من الضرورى أن يضطلع مجلس الأمن بمسئولياته فى هذا الشأن، باعتبار أن شيوع مناخ الكراهية على هذا النطاق الواسع من شأنه أن يشكّل تهديداً للسلم والأمن الدولى.
وفى الختام، أدعو بعض شباب الباحثين القانونيين العرب فى مرحلة الدكتوراه إلى اختيار عنوان «المواجهة الجنائية لخطاب التمييز والكراهية» موضوعاً للرسائل أو الأطروحات المقدمة منهم.