بمناسبة إقبال الجمهور على بعض البرامج الرمضانية المتهمة بـ«التفاهة»، نسأل: هل يحب المصريون التفاهة؟. التفاهة جزء من الحياة الإنسانية، والبحث عن الضحك، حتى لو كان غير موضوعى، هدف للإنسان عموماً. بعض البرامج على الشاشات الغربية ترتكز على أفكار يمكن وصفها بالتافهة، وأداؤها يمكن وصفه بالتفاهة، ورغم ذلك تحظى بنسب مشاهدة عالية، مما يعنى أن التفاهة أو البحث عن التفاهة ليس حالة مصرية، بل يصح القول إنه حالة إنسانية، لكن من الضرورة بمكان أن نُفرّق بين طبيعة «التفاهة» التى يتعاطاها المصريون والأنواع الأخرى من التفاهة التى تتعاطاها بعض الشعوب الأخرى.
يصح أن نقسم الضحك إلى نوعين: ضحك موضوعى وآخر غير موضوعى. الضحك الموضوعى يرتبط بموقف أو موضوع ينطوى على نوع من المفارقة التى تؤدى إلى الإضحاك، أما الضحك غير الموضوعى فهو الضحك الذى لا يعتمد على سبب واضح، ولا ينطوى على مفاجأة، مثلما يحدث -على سبيل المثال- فى بعض برامج المقالب التى يشاهدها المواطن، وقد علم أنها مُفبركة ومصنوعة من الألف إلى الياء، وأن النجم الذى شارك فيها ويضحك على ذعره أو صراخه أو شتمه أو سبابه قبض مبلغاً مالياً معتبراً نظير المشاركة فى البرنامج، ورغم ذلك يضحك. الضحك غير الموضوعى هو ببساطة الضحك من دون سبب، وأنت تعلم العبارة التى يصف بها المصريون هذا النوع من الضحك!. الإنصاف يقول إن الإنسان أحياناً ما يكون بحاجة إلى أى نوع من الضحك، موضوعى أو غير موضوعى، قد يضحك الإنسان فى لحظات كى يُذكّر نفسه أنه لم يزل يمتلك القدرة على الضحك أو الفرح.
الإنسان المتعب بحاجة إلى الضحك من أى نوع، فى الغرب يُسلم المواطن نفسه لبعض البرامج الساذجة أو المسلية بعد أن يعود من العمل لإحساسه بالحاجة الماسة إلى الراحة. فبعد يوم عمل شاق، يلزم المرء أن يتعامل مع نص لا يُجهد عقله، ولا يدفعه إلى إرهاق ذهنه. كذلك يفعل المواطن الغربى الذى يمكث نهاره عاملاً مجتهداً، وينام ليله، طلباً لقسط من الراحة يمكنه من القيام بالتزاماته فى يوم عمل جديد. المصريون متهمون بعدم بذل جهد فى العمل، وبعض الإحصاءات تشير إلى أن الموظف المصرى لا يُجهد نفسه فى مكان عمله لأكثر من دقائق معدودات، وبالتالى فلا حاجة لديه إلى هذا النوع من البرامج التى تقوم بمهمة «التدليك العقلى»، كى يرتاح الذهن المجهد. المدهش فى الأمر أن دقائق العمل تستحيل إلى ثوانٍ خلال شهر رمضان، وهو الشهر الذى يُقبل فيه المواطن على البرامج المتهمة بالتفاهة، خصوصاً وهو ينعم بوجبة الإفطار، لذلك يصح أن نسأل: هل ينظر المواطن إلى الصيام كعمل مجهد يستوجب المكافأة بعد الفراغ منه بمشاهدة هذه النوعية من البرامج؟. أياً كانت الإجابة.. من حق الناس أن تضحك، وأن تختار ما يُضحكها دون وصاية من أحد، ومن حق من يريد أن ينقد هذا الأداء أن يفعل، لكن علينا جميعاً أن نكون مقتنعين بأن الناس بحثوا عن الضحك التافه بسبب توافر مساحات كثيرة للضحك الموضوعى فى الواقع المعيش، وكل المشكلة أن هذه المساحات غائبة عن البرامج والمسلسلات التليفزيونية.