خبر تختلط فيه الغرابة بالعجب، ذلك الذى نشره موقع «المصرى اليوم»، ويدور حول عامل بأحد المستشفيات بمنطقة سموحة، شرق الإسكندرية، قام بالتحرش بسيدتَين داخل غرفة العمليات أثناء إجرائهما عملية ولادة قيصرية. وقال شقيق إحدى المريضتين: إن شقيقته عقب خروجها من غرفة العمليات أخبرت زوجها بالواقعة، وأدلت بأوصاف أحد العمال بالمستشفى، وقالت إنه «تحرش بها وقام بتقبيلها».
واقعة غريبة، ووجه الغرابة فيها أن يصل المتحرشون إلى غرف العمليات، بعد أن ظهروا فى الشوارع والمواصلات العامة، وأماكن التعليم، وأماكن العمل. هذا التمدد للظاهرة وانتقالها من مكان لمكان يعكس، ولا شك، حالة من حالات الانهيار الأخلاقى، يتناقض مع كل ما هو معروف عن هذا المجتمع من تديّن، وحقيقة الأمر أن التدين فى مجتمعنا أصبح على نوعين: أولهما «التدين التجارى» الذى يسعى صاحبه إلى حصد مكاسب معينة عبر التجارة بالدين، ويشمل هذا النوع الكثيرين، بدءاً من البائع أو الصانع الذى يطلق للحيته العنان بهدف خداع الجمهور المتعامل معه، وكلما طالت لحيته زاد إفكه، وانتهاء بمن يطلق لحيته لأهداف سياسية، يحتال بها على خلق الله من أجل حصد مغانم سياسية. وثانيهما: «التدين الصوتى» فكثيرون يتحدثون بالدين بألسنتهم لا يجاوز حناجرهم. ولعل أكثر الترجمات معاصرة لهذا النوع من التدين تلك الظاهرة «الفيس بوكية» الشائعة التى يستقبل فيها مستخدم الفيس بوك رسالة طويلة عريضة تقول له قل كذا وكذا وانشرها وسوف يصيبك من الخير الكثير، أضف إلى ذلك بالطبع رنات الأدعية والأذان على الموبايل وغير ذلك.
التدين بهذه الصورة يضيف المزيد إلى حالة الانهيار الأخلاقى التى يعانيها المجتمع، والتى تتجلى فى إحدى صورها فى واقعة التحرش المأساوية التى شهدها ذلك المستشفى بمنطقة سموحة بالإسكندرية. المفسدة الأخلاقية الكبرى التى نجدها تتسكع فى شوارع ومسالك حياتنا هذه الأيام تلخصها عبارة «السلوك ع الكيف». العامل المتهم فى هذه القضية عبّر عن هذه الحالة، فكل -من كان- يسلك على «كيفه»، ويتصرف كما يحلو له. السر فى ذلك أن المعايير فى هذا المجتمع تكاد تكون غائبة فى أى مكان ومنحى من مناحى حياتنا، فلا معايير دينية تردع، ولا معايير قانونية تطبق، ولا معايير موضوعية تؤدب. وعندما تغيب المعايير يصبح «اللعب ع الكيف». مفسدة «السلوك ع الكيف» هى المقدمة الطبيعية التى تضع أى مجتمع على عتبة «الفوضى»، وتصبح فرص الدخول فى تلك الدائرة المجهولة واردة، عندما تجد أن الأسرة المصرية غدت محكومة بذات المفسدة «السلوك ع الكيف»، بلا روادع ولا معايير، والشارع تسوده أحكام «السلوك ع الكيف»، فلا احترام لقواعد ولا استناد إلى معايير، وكلّ يغنى فى الشارع على ليلاه، فعليك أن تتوقع أننا أمام خطر لو تعلمون عظيم. هذا الخطر يردنا من جديد إلى أزمة الثقافة السائدة، ولست أدرى حتى متى ننادى على وزارة الثقافة بأن يكون لها دور إلى جوار المؤسسات التثقيفية والتوعوية الأخرى دون مجيب؟ وأمام حالة القصور فى الأداء -التى توصم بها هذه الوزارة فى القيام بدور فى مهمة «التغيير الثقافى» التى يحتاجها هذا المجتمع أكثر من غيرها- لا يبقى إلا أن نتساءل: الوزارة دى شغلانتها إيه؟!