حتى كتابة هذه السطور ما زلت لا أقنع بموته، كان حاضراً وشاهداً على جميع الأحداث، معلقاً متفاعلاً، مبدياً رأيه وناشراً لفلسفته وداعياً لقناعاته، سواء عن طريق أغانيه أو فى محادثاته ونقاشاته أو حتى كمشاركات على وسائل التواصل الاجتماعى.
مأمون المليجى، المهندس والفنان والإنسان والصديق الشهم، الذى إن اختلف احترم، وإذا اقتنع شجع، وإذا اعترض لم يمنع عليك رأيك.
فور أن أفاق أحبته وأصحابه ومعارفه من صدمة رحيله، وبعد أن تأكدوا مئات المرات أنها ليست شائعة، وأن «المليجى» لا يمزح، بدأ الألم الحقيقى فنعوه بعبارات الألم والافتقاد، كلٌ أبدى خسارته الإنسانية بفقده، بعبارات تشابهت فى أكثر الأحيان عن جميل خصاله وعمق مبادئه وحيادية تفكيره وقبوله للآخر بسلام كبير.
بعد رحيله لفت نظر أناس لم يتعرفوا إليه فى حياته، استوقفهم بكاؤنا عليه وعبارات الفزع المنطلقة من أصدقائه ومعارفه وكل من تابعه فناناً وإنساناً وصاحب رأى، استغربوا كم الحزن الذى رأوه، دفعهم الفضول للتعرف عليه من خلال صفحته على فيس بوك، وتسجيلات أغانيه ولقاءاته على اليوتيوب، فوجدوا بعضاً مما عرفنا عنه ومنه، فأصبحوا يكتبون فى نعيه ندمهم على عدم معرفته من قبل (أى رزق طيب هذا يا صديقى وأى رضا من رب كريم) هنيئاً له دعوات الجميع ومحبة هذا القدر من البشر، مأمون المليجى صافى القلب، صادق الكلمة، أمين العقيدة.
أُخِذْنا غدراً يا صديقى، لم تودعنا، غافلتنا ونحن نحتفل بالعيد ورحلت دون أن تلوح بأى إشارة سلام أو حتى رحيل، كيف يكون هذا منك، وأنت الصديق القريب من الجميع، كيف تكون سبب بسمة وبهجة ويطاوعك قلبك فى التسبب بهذا القدر العظيم من الحزن والألم!! كيف استطعت!! لقد ضَمِنْت لنفسك مكاناً خاصاً بقلوبنا.. مكاناً مميزاً بين الضحكة والنغمة والمبادئ والأخلاق، مكاناً يبقى بعد الرحيل ولا يعود يغادر قلوبنا.
إيمانك المتعمق المعتدل الموزون، غير المختلط بخرافات التطرّف أو الخوف من خزعبلات اتهامات الحافظين غير الباحثين وغير الفاهمين، هو إيمان العارفين بالله، المطمئنين بعدله وعظمته، وأشهد أنك حاولت بكل طاقة نشر هذا السلام وهذه المحبة، حتى ظهرت كتابة وغناءً ولحناً عذباً، لتكون درويشاً يدور بقلوبنا دوماً دون توقف، كلما فكرنا بك ارتسمت على وجوهنا بسمة رضا وذرفت لنا دمعة افتقاد، تُرْسَم أنت بداخلها بألوانك الزاهية وثقافاتك المختلفة التى كونت وجدانك الصافى السليم، يا صديقاً وأخاً وقدوة رائعة.. وإلى لقاء فى رحاب مليك مقتدر.
ما زلت لا أقنع بأنك لن تقرأ هذا المقال ولن تعلق عليه بين الابتسام والوقار والمجاملة الطيبة، ليت أن يكون لدينا مليون مأمون المليجى لأصبحنا أمة بخير ووطنية وسلام ورقى.. وداعاً مأمون المليجى.