طوال الأيام الماضية لم يغب عن ذهني مشهدين، ليس مشهدين سينمائيان لكنهما واقعيين لدرجة الصدمة. مشهدان قد يكونا بعيدا كل البعد عن بعضهما لكن يربطهما خيطا يكاد يرى بالعين المجردة ، أو على النقيض قد يكونا متقاربين للدرجة التي تربط بينهما ربطا منطقيا آنيا.
المشهد الأول:
خبر لم يتعد عدة أسطر عن فتاة كارفور الإسكندرية، تلك الفتاة التي تعرضت للتحرش، وأبلغت عن المتحرش وذهبت به إلى قسم الشرطة وحين جاء إليها والدها، وعرف سبب تواجدها هناك فتوفى على الفور دون أدنى مقدمات.
المشهد الثاني:
حلقة سلوى عرابي التي كانت تائهة في ميدان العباسية، وعثرت عليها إحدى مؤسسات الرعاية قبل عدة أيام من الحلقة، وظهر عليها أنها مازالت تحت تأثير مرض نفسي ما. وفي أثناء الحلقة أمها تتبرى منها على الهواء أمام ملايين المشاهدين لسبب خروجها عن طوعها ولم تشفع لها حالتها وفي نفس الوقت الذي لم يصغ أحد لسلوى حين ألمحت لتعرضها للعنف الأسري!.
أرى خيطا رفيعا يربط بين المشهدين، ذلك الخيط ليس أنهما يشتركان في نفس الجريمة، وهي كونهما إناث في مجتمع اعتاد أن يتعامل مع المرأة معاملة ازدواجية، وليس أيضا كونهما الاثنتان ضحيتان للمجتمع في صور مختلفة، لكن هذا الخيط يتمثل في إنهما حاولا أن يحاربا التقاليد كلٍ بطريقتها. تلك التقاليد التي قيدت أمثالهن لعشرات السنوات، تلك التقاليد التي تتربى عليها كل فتاة بأنها يجب ان تكون مطيعة هادئة "تسمع الكلام" ولا تتصدى للعنف سواء داخل الأسرة أو خارجها، ولو حدث وأصدرت أية ردة فعل تكون هي الملامة الوحيدة.
من الوارد أن نتعاطف مع فتاة كارفور ونتعاطف بالأكثر مع الأب الذي توفي بمجرد السماع من ابنته أنها تعرضت للانتهاك لكن غالبية المجتمع لم يتعاطف مع سلوى لمجرد ذكرها بعض التفاصيل الشخصية التي تخصها وحدها، والتي من الوارد جدا أن تكون محض أفكار خيالية نتيجة مرضها النفسي بالأساس، وليس لأي أحد أن يحاسبها عليها. حتى أولئك المتعاطفون معها وقت رؤياها مشردة مسكينة في ميدان العباسية سرعان ما انقلبوا ضدها حتى بعد إشارتها لتعرضها للعنف على إيدي أمها وأخواتها!.
وفي خضم كل هذه الأفكار، أتذكر العديد من الحالات والمواقف المشابهة التي قد تزداد حدتها عن المشهدين المذكورين، ويتبادر إلى ذهني السؤال الأزلي: حتى متى ستظل البنت المصرية فاقدة للأهلية؟.