نعم شهدت العلاقة بين الدولة والشباب قفزة هائلة منذ تولى الرئيس السيسى لتنتقل من هيمنة شباب حزب واحد قبل يناير 2011 على كل الأنشطة الشبابية والطلابية من خلال تجارب حورس وغيرها ومروراً بفترة الارتباك الكبير وعدم الثقة بين الطرفين بعد يناير 2011 حتى أصبح شباب مصر فى لقاء دورى ليس مع الرئيس وبشكل مباشر فحسب وإنما مع الدولة كلها!
وصحيح باتت صحة المصريين محل اعتبار ليس فى زيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة والتزاماً بالدستور فقط وإنما كانت معركة التصدى لفيروس سى نموذجاً فريداً فى الحرب على وحش يطارد أجساد المصريين وينهشها ويخرجهم من طاقة العمل ليدخلهم إلى دوامة الألم والعلاج والوجع الذى يصيب أسرة المريض وعائلته وأصدقاءه وكل المحيطين بها.. وبالمشروع تجدد الأمل للملايين يستردون الآن عافيتهم!
وحقيقى أن الدولة تعيد صياغة العملية التعليمية كلها من المناهج إلى الامتحانات ومن مستوى المدرس إلى فلسفة التعلم ذاتها.. ولم تكن النظرة للتعليم اليابانى مجرد صدفة فى زيارة السيد الرئيس لليابان وإنما جاءت اتساقاً مع هدف كبير يربط التعليم بالتربية والتعليم بالتقدم والتعليم بالمجتمع!
كثيرة هى المشاريع والرؤى.. لكن وفى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية والممتدة منذ أشهر وفى ظل انتظار نتائجها وعائد الإجراءات التى يرى الاقتصاديون الليبراليون أن نتائجها مؤكدة ومثمرة فى الطريق الإيجابى الناهض بالاقتصاد المصرى وبمعيشة المصريين.. ومع ذلك نرى أن الأمر يحتاج إلى مشروع «فوقى» يقوده ويشرف عليه الرئيس بنفسه يهدف إلى توحيد المصريين (كل المصريين هذه المرة وليس الشباب وحدهم ولا مرضى فيروس سى وحدهم ولا المدرسين والطلبة وحدهم) نحو هدف واحد ينجزونه ويستفيدون منه على الفور دون انتظار سنوات أو حتى أشهر..
ووصف المشروع القومى بكونه فوقياً لا يعنى أنه للنخبة ولا يعنى أنه خاص برئاسة الجمهورية وحدها.. إنما يعنى أنه يختص بإحداث نقلة نوعية فى حياة المصريين يستشعرون معها بتغيير حقيقى يمنحهم أملاً كبيراً دون أن يرتبط ذلك بحياتهم الاقتصادية.. لكن منحهم الأمل فى وطن يحترمهم وقادر على الاشتباك مع مشاكل مزمنة يعانون منها منذ عشرات السنين يخفف قطعاً من الأزمة الاقتصادية..
أول الاقتراحات هو إحداث نقلة ملموسة فى تنفيذ الأحكام وإعادة الاعتبار للأحكام القضائية.. ونعترف أن جهداً يُبذل من إدارة تنفيذ الأحكام فى ذلك لكن تبقى رغم ذلك حالة توقف دائرة العدل عند صدور الأحكام دون استكمال باقى الدائرة وبما يفرغ عملية «العدالة» كلها بفلسفتها ومكانتها من مضمونها.. ورغم أن الأزمة متوارثة منذ سنوات طويلة لكن آن الأوان للتصدى لها ومواجهتها حتى لو تطلب الأمر الاستجابة لعدد من متطلبات التنفيذ كوضع إدارة تنفيذ الأحكام فى مستوى خاص بها داخل وزارة الداخلية وتذليل كل المعوقات التى تمكنها من ذلك.. ولحماية العملية تحتاج الأمور إلى تشريعات أخرى ضرورية وهنا نقف أمام مشروع متكامل يمكن عند الإصرار على إنجازه وتنفيذه فى فترة وجيزة التفاف الناس حوله وإشعارهم بتطور حقيقى يمكن وصفه بثورة حقيقية فى مجال العدالة!
استمرار بقاء ملايين القضايا بغير فصل ولا أحكام ووجود ملايين غيرها حُكم فيها دون تنفيذ يجعل أصحابها فى حالة فقدان أمل دائم فى دولة عصرية والعكس صحيح تماماً!
المشروع الثانى هو غذاء المصريين! نعم.. لا تتوقف جرائم ذبح الحيوانات وبيعها كلحوم آدمية حتى أصبحت ظاهرة لا تؤثر على المصريين فحسب وإنما على السياحة أيضاً، خصوصاً السياحة العربية.. التى يتابع أصحابها الأخبار فى الإعلام المصرى.. حيث نقدم لغيرنا أسوأ ما عندنا.. والحل ليس فى منع الأخبار فى الإعلام وإنما فى منع الجرائم نفسها.. فبرغم انتشارها إلا أن المدهش أنها لم تستفز نائباً واحداً للتقدم بمشروع تشديد العقوبات فى مثل هذه الجرائم!! وعندما يضاف إليها كلام كثير مدعم فى بعض الأحيان بأدلة عن صناعة عدد من الأغذية فى مصانع «بير السلم» التى هى بعيدة عن القانون وعن الرقابة.. ورغم أنها بعيدة عنهما إلا أن ذلك لا ينفى وجودها.. من تصنيع بعض أنواع اللحوم إلى بعض أنواع الجبن، بل وطالت تصنيع أغذية أخرى من ثوابت غذاء الأسرة المصرية.. بل بلغت الجرائم حد إعلان أحد مسئولى التموين الأمنيين السابقين أن بعض مزارع الدواجن تبيع الدجاج النافق بأسعار منخفضة إلى عدد من المطاعم!! وكلها جرائم من اليقين أن الرئيس يرفضها تماماً.. ولذلك الإمساك بالملف وفتحه وبإشراف سيادته شخصياً سيجعل الناس تشعر أن نقلة نوعية تتم فى ملف مزمن عانوا منه سنوات طويلة، وقد جاء وقت فتحه كاملاً وحله كاملاً أيضاً!
المشروع الثالث هو المرور والانضباط فى الشارع المصرى.. ليس بقوانين لتراخيص «التوك توك» فحسب.. رغم أنه مرتبط الآن وبشكل مباشر بحياة الملايين.. وإنما بالمنظومة كلها التى تؤثر حتى على استهلاك الوقود الذى يهدر فى الزحام المتسبب فيه عدم الالتزام بقوانين وتعليمات المرور ومنه إلى عدم التزام بعض رجال المرور أنفسهم بذلك.. وبعيداً عن التزامات كل طرف إلا أن المحصلة النهائية هى ضياع جزء كبير من وقت الأسرة المصرية فى الشارع، نسبة كبيرة منها تؤثر على العمل والإنتاج، ونسبة أخرى تتحول إلى مشاكل ومشاجرات تعود بالعبء على الشرطة نفسها، فضلاً عن تأثير الأزمة على الضوضاء والبيئة ومنهما إلى الحالة النفسية العامة للمصريين!
هذه ثلاثة مشاريع نتمنى أن نتصدى لها جميعها.. ضمن عمل جماعى نتحمل فيه جميعاً مسئوليتنا.. لكن الواقع والواقعية يقولان إن أزمة واحدة منها وفتحها كالجرح العميق الخطير بمتابعة إعلامية رشيدة وصحيحة حتى إنهائها وحلها يكون كفيلاً بتقدم البلد إلى الأمام.. وبعدها وبعد حصاد نتائج حل الملف الأول ستكون الشهية مفتوحة قطعاً إلى الملف التالى!
كثيرة هى الملفات غير الثلاثة المذكورة.. ولكن رغم المشاغل والمشاكل والمسئوليات علينا أن نبدأ!