«الحق فى النجاح» هو عنوان مقالى المنشور فى «صحيفة الوطن» الغراء يوم الاثنين الموافق الثانى من يناير 2017م. وقد ركزت فى هذا المقال على فلسفة التشريعات الأمريكية التى تقوم على توفير كل سبل النجاح أمام المواطن والسعى الدؤوب إلى إقالته من عثراته. وعند الكتابة فى هذا الموضوع، كانت النية تتجه إلى أن تكون عبارة عن سلسلة من المقالات، بحيث نقوم بإجراء مقارنة بين التشريعات الأمريكية وبين التشريعات فى بلادنا. ولكن، نظراً لتتابع الأحداث المهمة فى المنطقة العربية عموماً وفى مصرنا الحبيبة على وجه الخصوص، ورغبة فى ملاحقة هذه الأحداث، لم نتمكن من استكمال هذه السلسلة من المقالات آنذاك.
وحيث إننا على أعتاب عام دراسى جديد، ارتأينا من المناسب أن نستكمل ما بدأناه، وذلك من خلال التساؤل عن مدى تكريس التشريعات فى بلادنا للحق فى النجاح. وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أحد الأحكام الرائدة التى صدرت عن محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، وتتعلق بمشكلة تتكرر كثيراً مع العديد من أولياء الأمور الراغبين فى تحويل أبنائهم من مدرسة إلى أخرى أو من دولة أجنبية إلى مدرسة فى أرض الوطن. وتتلخص وقائع هذا الحكم فى أن ابنة أحد المواطنين كانت مقيدة بالصف الأول الابتدائى بمدرسة إلياس الابتدائية بوادى النطرون فى العام الدراسى 2013/ 2014، ونجحت وانتقلت إلى الصف الثانى الابتدائى. ورغبة منه فى تحويل ابنته إلى مدرسة كوم الفرج الابتدائية، لقربها من المسكن الجديد الخاص به، فقد تقدم بطلب وحصل على الموافقة، إلا أنه فوجئ بعد ذلك بأن إدارة المدرسة تعلمه بأن ابنته قيدت بالصف الأول الابتدائى مرة أخرى لصغر سنها، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه، طالباً إلغاء قرار الإدارة السلبى بالامتناع عن قيد ابنته بالصف الثانى الابتدائى.
ورداً على هذه الدعوى، أكدت المحكمة أن «المستقر عليه فى مجال إعلان نتائج الطلاب وفقاً لأحكام المحكمة الإدارية العليا وإفتاء الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع أن مؤدى إعلان نتيجة الطالب وثبوت نجاحه واعتماد تلك النتيجة من الجهات المختصة، أن يصبح للطالب حق مكتسب لا يجوز تعديله أو تغييره، لما ينطوى عليه ذلك من مساس محظور بمركزه القانونى». وأضافت المحكمة أنه «لا محاجة فيما تذرعت به الجهة الإدارية فى سبيل إجبارها للطفلة على إعادة قيدها بالصف الأول الابتدائى مرة أخرى على الرغم من نجاحها فيه العام السابق عليه بحجة صغر سنها، ذلك أن الإبداع صار أمراً ضرورياً لبناء المجتمعات القادرة على مواجهة التحديات بأشكالها المتباينة، وابتكار الحلول لمشكلاتها الراهنة والمستقبلية، وإنتاج المنجزات الحضارية التى تكفل لهذه المجتمعات البقاء والنمو بحسبان أن الإبداع فعل مكتسب لا يقتصر على أمة دون أخرى أو مجتمع دون آخر، لكونه قابلاً للتعليم والتعلم والاكتساب إذا ما توافرت من أجله الجهود وتحمست له الإرادة الحرة، وهذا الأمر لا يتقيد ببلوغ التلاميذ سناً معينة طالما توافر لدى التلميذ كل المقومات اللازمة للإبداع. فكل فرد مبدع أو له قابلية للإبداع إذا تهيأت له الظروف المناسبة لهذه العملية». ومن ثم، خلصت المحكمة إلى أن «قرار إجبار الطفلة على إعادة قيدها بالصف الأول الابتدائى رغم نجاحها فيه فى العام السابق عليه إنما يتناقض مع الأسس العلمية الحديثة، ذلك أنه فى مجال التعليم فإن أسس المفاضلة فى الانتقال من مرحلة تعليمية لمرحلة أخرى يجب أن تقوم على مبدأ الجدارة والتفوق وليس على مبدأ الأقدمية فى سن الطلاب الذى يعتمد على التحاق الأكبر سناً وحرمان الأصغر سناً رغم أنه أكثر جدارة وتفوقاً وهو معيار معوج لا يتفق مع المدارس العلمية الحديثة».
ولا ندرى ما هو الأساس القانونى والأخلاقى الذى يجعل جهة الإدارة تجبر طفلة على إعادة السنة الدراسية، رغم سبق نجاحها فيها؟!!
يقولون إن «القانون منطق»، ولا ندرى بأى منطق يمكن تبرير الضرر النفسى الواقع على طفلة فى مقتبل العمر، متمثلاً فى ضياع سنة من عمرها، وبحيث أصبحت متأخرة عن زملائها بعام دراسى كامل بعد أن كانت معهم فى ذات الفصل الدراسى؟!!
وللحديث بقية...