سيسجل التاريخ أن مؤتمرات الشباب واحد من إنجازات عصر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولا تقل أهمية عن إنجاز الكهرباء وخطة تحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة، ورغم الفارق بين الإنجازين إلا أنهما يمثلان معاً رؤية للمستقبل والتنمية تقوم على التكامل والتجانس بين كل العناصر.
بالتأكيد فإن قطاعات من الشباب استعادت الثقة فى ذاتها وفى تقدير دولتها لها، كما استعادت الثقة فى اهتمام الدولة بالمستقبل ورغبتها الجادة الصادقة فى اكتشاف وإعداد كوادر للمستقبل وتأهيلهم مبكراً لإدارة شئون الدولة فى مختلف المجالات والقطاعات.
لكن سيظل السؤال قائماً عن كيفية تحويل هذا الاهتمام إلى شكل مؤسسى له إدارته ولوائحه وقواعده الإدارية والتنظيمية ليعمل على توسيع إطارات التواصل مع الشباب وزيادة مساحات التفاعل مع قضاياه واهتماماته باعتباره مسئولاً عن الشباب منفذاً لتوجيهات الدولة ومحققاً لرسالتها.
المسألة أن الأمر بات متطلباً لتوسيع دوائر العمل وأن يقوم الشباب بأنفسهم على ترتيب شئونهم فى إطار سياسة الدولة، فكما أن قطاعات من الشباب استعادت الثقة فهناك قطاعات أخرى أوسع ما زالت بعيدة تماماً عن الأمر، لأنها لا تستطيع التواصل من جانبها مع الهيئات المعنية.
لدينا تجمعات شبابية طبيعية بالآلاف فى القرى والمراكز والمدن، تضم بين جدرانها طاقات وقدرات ومهارات مذهلة لكنها خارج دائرة الاهتمام، وهى تتجاوز بكثير كل ما توفره الدولة والجهود الناجحة التى تبذلها وزارة الشباب لذلك نحن فى احتياج لمؤسسة شبابية.
نموذج آخر فى جزيرة الوراق، حيث أثق تمام الثقة أن متطرفين ومتشددين ومناهضين للدولة المصرية الوطنية يعيثون فساداً بالجزيرة ومحيطها، مستغلين المناخ السائد بعد مواجهات الأسبوع الماضى، محاولين إشعال المزيد من النيران مع الدولة، ولو لم يفعلوا ذلك فهناك شىء غير طبيعى، وإذا كانت كل التقارير تتحدث عن وجود لأنصار «الإخوان» الإرهابية والسلفيين وعصابات ومافيا الأراضى فى جزيرة الوراق ولم تضع الجهات والهيئات المسئولة عن استرداد أراضى الدولة كل ذلك فى الحسبان وهى تخطط لاسترداد هذه الأراضى فهناك شىء غير طبيعى أيضاً.
لا أفهم التعامل مع الناس بلغة العصا، فالعصا لمن عصا -على رأى المثل- ولم نر الناس وهم يعصون الدولة حتى تتعامل معهم بمنطق القوة، وفى حالة الوراق نحن نتعامل مع مسألة تاريخية وليست وليدة اللحظة، حتى يعتبرها المعنيون نموذجاً لعصيان الدولة يجب تأديب القائمين عليه.
لا يقبل أحد مواجهة الدولة بالقوة أو رفع السلاح فى وجهها مهما كانت الأسباب ويجب المواجهة بكل صرامة، ولا يوافق أحد على أن تستبعد السلطات كل الحلول وتستخدم القوة فى مسألة لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية لآلاف الأسر استقرت أوضاعهم على هذا النحو لعشرات السنين وربما أكثر.
مثلث ماسبيرو فى المقابل نموذج آخر فى التعامل مع ملفات الإزالة لكنه نموذج ناجح، ربما استغرق الأمر طويلاً فى التفاهم مع السكان وأهالى المنطقة لكنه انتهى آمناً متوافقاً على قاعدة الرضا، تمهيداً لتغيير خريطة المنطقة بالكامل وإعادة تأسيسها فى إطار عصرى اقتصادى مختلف.
نماذج مؤتمر الشباب وماسبيرو والوراق تجعلنا نتساءل إن كان هناك إدارتان فى الدولة، إحداهما «فاهمة» والثانية «باطشة»، وتداعيات أحداث الجزيرة تدفعنا لمطالبة غير المعنيين بالابتعاد عن الملف حتى يصلح المعنيون ما أفسدوه.