تزعجنى فكرة الـ"كلنا واحد" التى يتم الترويج لها فى كل مناسبة وبعد كل حادث، فكرة ساذجة ومرعبة أن الكل واحد.. كلما قرأت هذه الجملة أو سمعتها يقفز إلى ذهنى مشهد واحد.. أو مشهدين؛ المشهد الأول من فيلم iRobot وجيوش من الروبوتات المتحركة المتشابهة، ومشهد من فيلم Stepford wives حيث كانوا يعملون على تركيب شريحة مبرمجة فى أمخاخ النساء حتى يتحولن لكائنات مطيعة متشابهة فى التعبير وطريقة الحياة.
ولم يعد مبدأ الـ"كلنا واحد" مقتصر فقط على المسلمين والمسحييين ومحاولات بائسة لذوبان الاحتقان، أو بين المدنيين وضباط الجيش والشرطة، أو أى حدث يتخلله طرفين مختلفين، وإنما تطور ليصبح أسلوب حياة فى مجتمعنا ككل، وخاصة بيننا نحن كشباب يعال علينا مهمة تغيير المستقبل والمفاهيم المجتمعية المشوهة.
كم مرة تقبلت شخصًا مختلفًا عنك فى طريقة التفكير والحياة والتعبير؟
كم مرة قرأت "بوست" على فيسبوك من أحد الأصدقاء أو شخص غريب يحاول عرض طريقة تفكير مختلفة، دون أن تنادي على أصدقائك لتبدأ حفلة الـ"قابل يا عم شوف بيقول إيه"؟
كم مرة قرأت كتابًا يتنافى مع كل ما تؤمن به وتربيت عليه؟ كتابًا لا يشبه مفاهيمك وعاداتك وتقاليدك؟
لماذا يجب على الملايين ممن يعيشون فى بلد واحد أن يصبحوا كلهم واحد؟ أن يتبنوا نفس المواقف؟ ونفس الآراء؟
يقول هاروكي موراكامى الكاتب اليابانى: "إذا تقرأ فقط الكتب الذى يقرأها الجميع، ستفكر مثلما يفكر الجميع من حولك".
هل تختلف قراءة الشباب للمشهد المجتمعى الحالى عن رؤية الأجيال السابقة؟
بالتأكيد لا.. نفس الأحكام ولكن بإفيهات كوميدية تضيف للآراء المتحجرة القديمة بعض من اللطافة.
نجد البعض من الشباب إن لم يكن المعظم يأمر بغلق أماكن لا تتناسب مع أفكاره ومعتقداته. نجد معظم الشباب يحكم على كل ما هو مختلف بتهكم وقسوة، وإنما فى رأيى زادت قسوة إطلاق الأحكام أكثر من قبل فى الفترة الأخيرة مع تواجد مساحات إبداء الرأى وانتشاره بصورة أسرع على مواقع التواصل الجتماعى.
لا تستطيع الأجيال الجديدة استيعاب فكرة الاختلاف، كلنا واحد.. كلنا لابد أن نتبنى نفس الموقف.. من يخالفنا الرأى سيهلك بكل تأكيد.. سننادى الأصدقاء عبر فيسبوك وتويتر وإنستجرام وسوف يتطور للتجريح الشخصي إذا تتطلب الأمر!
س: لماذا نصر دائمًا على طمس أى محاولة للاختلاف؟ وكأن الاختلاف عار وشر مجتمعي يجب محاربته حتى نظل واحد؟
ج: أعتقد أن ما حدث بعد انفتاح الطبقات الاجتماعية على بعضها عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى هو رد فعل عكسى، فأصبحت هذه الأجيال الجديدة أشد وأكثر شراسة فى الحكم على كل ما هو مختلف وعلى بعضها البعض أيضًا، لا أدرى.. هل هذا مثلًا نتيجة صدمة الانفتاح على ما هو جديد وانهيار فكرة أن العالم لا يتمحور على مفاهمينا وعاداتنا وتقاليدنا فقط؟ الخوف من اتساع العالم من حولهم؟ أن الكون لا يدور حول دينك الذى تؤمن به وثقافتك وطريقة ارتداءك للملابس وشكل رفاهيتك؟ الخوف المفاجئ من أن الكون أكبر وأوسع من مفاهيم عائلتك الصغيرة؟
النتائج المترتبة على هذا النوع من التربية والتفكير هو خروج أجيال كاملة غير مستوعبة لفكرة الاختلاف. أجيال روبوتية مبرمجة على أن الخطأ واحد والصح واحد بناءًا على تربيته ونشأته وما زرعه فيه أهله. وما يخيفنى شخصيًا أن هذه الأجيال سنتعايش معها مع تفكيرها لعشرات السنين.. وأن هؤلاء هم الأغلبية المطلقة.
والمؤسف هنا هو أن كما قلت أن هذه الأجيال التى أنا شخصيًا من ضمنها، توفرت لدينا ما لم يتوفر للأجيال السابقة الذين لا نكف عن انتقادهم وانتقاد طريقة تفكيرهم العتيقة ليلًا ونهارًا، أولها الإنترنت مثلًا الذى كان من المفترض أن يكسر حواجز التفكير الأسمنتية التقليدية لأنه يجعلنا منفتحين على كل ما هو مختلف وجديد.
كيف يمكننا تدارك هذا الفكر المشوه؟ ضجرت من اسطمبة "تغيير منظومة التعليم" وهذه الحلول الهلامية المضمون التى لا ولن تتحقق، وإنما ما أستطيع تقديمه كحل فعلًا على المستوى الفردى والشخصي لكل من سيقع نظره على هذا المقال:
اقرأ كتابًا يخالفك فى التفكير، تنزه كل فترة مع أشخاص خارج المنطقة الدافئة المستقرة التى ترتاح إليها، اسمع موسيقى مختلفة لا تتماشى مع ذوقك بين الحين والآخر.. والأهم، استرخى ودعك من هاتين اليدين المتحفزتين فى وضع الاستعداد للانقضاض على من يخالفك الرأي والدفاع عن ما تؤمن به.
يمكنكم التواصل مع الكاتبة من هنا