ليس فى العنوان أى خطأ، ليس المقصود به (الإصلاح الاقتصادى) الذى عرفناه ونتحمل نتائجه، ولا (الإصلاح السياسى) الذى تحدثنا عنه فى زمن «مبارك» وكانت الثورة أسرع منه، كلا الإصلاحين السياسى والاقتصادى مهم للغاية، لكن الحقيقة أنه فى الحالة المصرية فإننا لا نحتاج لشىء بقدر ما نحتاج لهذه الإجراءات والمجهودات والقرارات والرؤية التى أجتهد فأسميها الإصلاح الاجتماعى، حيث تعرض المجتمع المصرى لحملات من الإهمال، والتجهيل، وتركت المدن المصرية طوال الأربعين عاماً الماضية نهباً لرياح البداوة حيناً وتتعرض للترييف حيناً آخر، وتغزوها قيم الفهلوة، والمكسب السريع حيناً آخر، تعرضت الشخصية المصرية لتسونامى الاستهلاك والسلفنة فاجتاحها، وكاد أن يقتلعها من جذورها، فتراجعت قيم الإتقان والإنتاج والعمل والحرية الشخصية، وبقينا مولعين فقط بكل ما هو شكلى واستهلاكى فقط، ولعله مما يحزن القلب أن نكتشف أن شعوباً أخرى تنتمى لبلاد فى المنطقة قد نجت من هذا الفخ الذى وقعنا فيه، حتى بات مواطنوها يتميزون بإتقان العمل والتفانى فيه وبحسن الأخلاق فى التعامل.. إلى آخر هذه الصفات التى كنا نتميز بها وفقدناها، ولعل السوريين فى مصر هم خير دليل على ما أقول رغم التفاوت الكبير فى الحجم بين مصر وسوريا التى كانت تاريخياً وطوال الوقت جزءاً مشمولاً بالسيادة والرعاية المصرية لبلاد الشام، علينا إذاً كمصريين أن نسعى جاهدين لكى تستعيد الشخصية المصرية صفاتها المميزة ورونقها المعروف، ولا يمكن أن يتحقق ذلك دون دعوة جريئة للإصلاح الاجتماعى تتبناها الدولة المصرية ويرعاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبغير هذا الإصلاح لمنظومة القيم فإن شيئاً لن يتغير على أرض الواقع، ويمكن أن أضرب مثلاً بتلك الدعوة المحترمة التى أطلقها الرئيس فى بداية عهده بأن يستيقظوا مبكراً وأن يبدأوا يومهم مبكراً، والتى عرفت بدعوة «٧ الصبح»، لكن الحقيقة أن إطلاق مثل هذه الدعوة دون أن يعود المصريون لاحترام قيمة العمل والنشاط، لم يكن ليحدث أثراً سوى الاعتراض المكتوم من موظفين اعتاد معظمهم أن يحصل على راتبه دون عمل، ومن شعب اعتاد غالبية أفراده أن يبدأوا يومهم وشمس الضحى تتوسط السماء، والمعنى أنه دون حملة (إصلاح اجتماعى) تجعل المصريين يعيدون احترام قيمة العمل، فإن أى دعوة مهما بلغ نبل هدفها تفقد معناها.
ولعل ما ينطبق على دعوة (سبعة الصبح) هو نفسه ما ينطبق على دعوة المصريين لاستخدام الدراجات كوسيلة مواصلات، والدعوة بالتأكيد ليست بدعة، لكنها تحتاج لأن يعرف المصريون أو بعض شرائحهم أولاً قيمة المجهود البدنى اليومى، وفضله على الصحة الجسدية والنفسية، ويحتاجون أيضاً كى يتجاوبوا مع هذه الحملة إلى معرفة ما يحدث فى دول العالم وكيف يستخدم الآسيويون والأوروبيون الدراجات، حتى إن الوزراء ورؤساء الوزارات فى كثير من هذه الدول يستخدمون الدراجات فى تنقلهم!.. يحتاج المصريون كى يتجاوبوا مع دعوة مثل هذه لكى يكونوا أكثر ثقافة، وأكثر معرفة، وأكثر انفتاحاً على أنماط أخرى فى الحياة غير النمطين الأمريكى والخليجى.. يحتاج المصريون كى تنهض مصر إلى أن يكونوا أقل جهلاً مما هم عليه الآن.. وهو دور يجب أن تتصدى له وزارة الثقافة لكنها لا تفعل.. ودور يجب أن تقوم به وزارة التعليم لكنها مشغولة بأشياء أكثر إلحاحاً، ودور يجب أن تقوم به دور النشر الخاصة، ولكنها فى معظمها جزء من منظومة الجهل والتمول، ودور يجب أن تقوم به النخبة المصرية.. لكن النخبة تركت الشعب وحيداً وسكنت فى (الكومباوند).. فمن الذى يمكن إذاً أن يتصدى لهذا الدور؟