من حق الدولة المصرية أن تقلق، إرهاب تسعينات القرن الماضى، والعشرية الأولى من الحالى استهدف السياح الأجانب وبعض المسئولين الحكوميين، تغيرت البوصلة منذ تفجير القديسين «يناير 2011» مستهدفة المسيحيين، لزعزعة التركيبة الطائفية للمجتمع، وعناصر الجيش والشرطة لإسقاط الدولة.. إنشاء المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف تقرر عقب الهجمات الإرهابية على كنيستى مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، الحكومة لم تتمكن من إنهاء مشروع القانون الخاص به قبل الإجازة البرلمانية، ما كان يفرض عليها انتظار دور الانعقاد الثالث «أكتوبر المقبل»، لذلك تم تشكيله بالقرار الجمهورى 355 فى 26 يوليو، برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية الوزراء ورؤساء هيئات ومؤسسات الدولة ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب، وعدد من الشخصيات العامة، بهدف وضع سياسات تحشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، تخدمهم أمانة عامة دائمة، من ممثلين للمخابرات العامة والأمن الوطنى والمخابرات الحربية والرقابة الإدارية، ألحق بها متحدث رسمى ومركز بحثى وآخر إعلامى، ما يسمح بوضع برنامج زمنى للتنفيذ، ونظام صارم للمتابعة.
حسن تشكيل أى مجلس يعتبر أهم مرتكزات نجاحه.. تخصص الأعضاء ومهنيتهم، يجعل منه إضافة علمية قادرة على مواجهة الإرهاب باستراتيجياته وتكتيكاته المدعومة من أجهزة مخابرات عالمية.. انسجامهم يضفى على الأداء روح الفريق، ويحولهم إلى جيش له ثقله فى ميادين المواجهة.. التنظيم ووضوح الرؤية يجنبهم شطط التعبير عن «وجهات نظر»، تنتهى بالتناقض، لأنها تعكس حالة ممزوجة بالعاطفة، متأثرة بالسياق العام للتطورات.. خبراء الإرهاب قادرون على تحديد محاور المواجهة الشاملة، ووضع الخطط الكفيلة بحسن تنفيذها، وإسناد كل محور للجهة المختصة ضماناً لحسن التنفيذ.. الدفع بأطراف التنفيذ داخل المجلس، أو عناصر تفتقد الكفاءة، مهما كانت مناصبها الرسمية، يحوله إلى «منتدى» يطرح أطرافه مجرد «وجهات نظر».
شاعرنا الكبير يبهرنا دائماً بما يعكسه من تأثر بالحالة الوطنية.. أوائل يناير 2011 كتب متأثراً بسقوط بن على فى تونس، دافع عن مبارك وإنجازاته، وندد بالحكومة وفشلها، أواخر يناير كتب لمبارك «ارحل وعارك فى يديك» متأثراً بأحداث التحرير، مارس 2012 وصف عبدالمنعم أبوالفتوح بالمقاتل، وطنى حر، إسلامى مستنير، صاحب سيرة طيبة، تجعله الأنسب لرئاسة مصر!! بعد خمسة شهور أيد مرسى كأول رئيس مدنى منتخب، وعمل مستشاراً له، كتب مقدمة دستور الإخوان، قبل استقالته احتجاجاً على الإعلان الدستورى «نوفمبر»، وانقلب على الإخوان بعد 30 يونيو.. مدير مركز الأهرام للدراسات وصف أول خطاب لمرسى كرئيس بـ«خطاب المواءمة والمسئولية»، وأكد «خروجه من عباءة الجماعة، إلى قلب الدولة المصرية»، تحليلاته إبان حكمه لم تخل من تقريظ فى غير موضعه، اللغط بشأن تصريحه بالانتماء لعضوية الإخوان لم يُحسم، والتساؤلات عن مدى كفاءته ومؤهلاته لرئاسة هيئة الاستعلامات لم تتوقف حتى الآن.. وتمتد الدهشة إلى كاتبنا الكبير؛ بعد خمسة أيام من تعيينه بالمجلس، أحاله النائب العام إلى الجنايات فى قضية «هدايا الأهرام» بتهمة الإضرار العمدى بالمال العام، إبان رئاسته لمجلس إدارة الأهرام «268 مليوناً و121 ألف جنيه»!!.. فناننا المخضرم خرج للإعلام فور تعيينه مبشراً باستراتيجية تعيد صياغة المفاهيم الدينية، وكأن المواطن البسيط يمكن أن يتقبل ما ستطرحه النخبة المدنية، حتى لو تم بمشاركة رجال الدين! متجاهلاً أن تجديد الأزهر لن يتم إلا برجاله، تصعيد قيادات مُحَدِثة يمكن أن يعيد الحياة لدوره التنويرى فى مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب، أما الفنانون والأدباء والشعراء فمهمتهم الإنتاج الراقى، الذى يعيد بعث القيم والأخلاقيات، ويواجه التدنى والعنف والفساد، وللأسف تمادى فناننا فى حماسه فتورط فى اتهام الدولة بالمشاركة فى المسئولية عما يقع من إرهاب، مفسراً «هناك من ظُلموا ودخلوا السجون باسم الإرهاب، وهم فى الحقيقة ارتكبوا شيئاً أبسط من ذلك، فيه ناس واقع عليها ظلم ومش متشافين، لا بد من معالجة ذلك أولاً»!!.
استبعاد وزير الثقافة يثير العديد من الإشكاليات؛ فهو يتناقض مع الفلسفة الخاصة بتمثيل الوزراء المعنيين بالإرهاب داخل المجلس، رغم أهمية الوزارة فى المواجهة الفكرية، وتشكيل الوعى الجمعى للمجتمع، وهو على المستوى الشخصى، ألف كتاب «سيد قطب: سيرة التحولات» الذى يعتبر واحداً من أهم الكتب التى استعرضت مراحل التحول فى أفكار رسول التكفيريين، ما يضفى عليه أهمية فى مكافحة الفكر الإرهابى، بغض النظر عن رضا المثقفين عنه من عدمه، خلو المجلس من ممثل للوزارة، بدا كما لو أن الدولة لا تعترف بدور الثقافة فى تلك المواجهة، وتلك مصيبة كبرى، أو أنها تسلم بسوء اختيار الحكومة للوزراء وتلك مصيبة أكبر.. ضم صابر عرب للمجلس استند لمعارضته حكم الإخوان إبان توليه الوزارة فى حكومة هشام قنديل، وفى عهده اهتمت الوزارة بالدفاع عن حرية الإبداع، والحفاظ على الهوية المصرية، ومواجهة محاولات الإخوان اختطافهما، واستقالته من الوزارة احتجاجاً على تجاوزات الإخوان ضد متظاهرى الاتحادية، لكنه فى الحقيقة لا يمثل أى إضافة للمجلس، لأنه لن يكون قادراً على تفعيل التوصيات المتعلقة بالثقافة بسبب انقطاع علاقتة بالوزارة، كما أنه على المستوى الشخصى لم يدرس ثقافة التكفير مثلما فعل الوزير الحالى.. تشكيل المجلس تأثر بشدة بما تردده مواقع التواصل، بمجرد الإعلان عن تأسيسه انتشرت أقاويل بأنه سيتولى مهمة تجديد الخطاب الدينى، ما يعنى تهميش الأزهر، بمناهجه ومعاهده التى تتحمل وزر التطرف، الرد على ذلك لم يكن ممكناً دون ضم الشيخ الطيب للمجلس، والتوازن فرض ضم البابا تواضروس، قامتان دينيتان كان ينبعى أن تظلا بمنأى عن مجلس مهنى كهذا، لن يقدما داخله، مثل العديدين غيرهم، أكثر من «وجهات نظر».
المجلس بتركيبته الحالية فى حاجة للمراجعة، كان ينبغى الاكتفاء بممثلين عن الوزارات والمؤسسات العامة، لأن ضم الوزراء ورئيسى الحكومة والبرلمان يعيد إنتاج نفس الأجهزة البيروقراطية المعنية بالتعامل مع الإرهاب، الشخصيات العامة لا تضم من المعنيين بمكافحة الإرهاب سوى «علام» و«عكاشة»!!، وغاب رؤساء قطاع الأمن الوطنى، المركزى للتعبئة والإحصاء، والقومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.. القرار الجمهورى المنشئ للمجلس يعطى للرئيس مرونة فى اختيار أعضائه، وإجراء أى تعديلات لازمة فى التشكيل، وضم شخصيات عامة أخرى، ودعوة من يرى الاستعانة بخبراته فى المسائل المعروضة لحضور اجتماعاته، وتشكيل لجنة أو أكثر من بين أعضائه أو من غيرهم من جهات الدولة المعنية، لمعاونته فى القيام بالاختصاصات المسندة إليه.. القانون جيد، يتضمن من المرونة ما يسمح بتلافى أى قصور، ولكن.. هل تتوافر الإرادة؟!.