الرقابة الإدارية حالياً تقوم بجهود كبيرة فى مكافحة الفساد ويومياً تضبط فاسدين متلبسين بتقاضى رشوة نظير القيام بأعمال غير مشروعة والإضرار بالمال العام.
أعضاء الرقابة الإدارية على مستوى الجمهورية لا يتجاوزون خمسمائة عضو ويقع على عاتقهم مهام كثيرة ليس فقط مكافحة الفساد ولكن أيضاً مراجعة المشروعات القومية وحل مشاكل المستثمرين وضبط الأسواق ومراقبة الأسعار ومراجعة تراخيص المبانى وإزالة المخالفات واستعادة الأراضى المنهوبة وغيرها من التكليفات الموكلة إليهم من رئيس الجمهورية.
معظم جهود الرقابة فى مكافحة الفساد هى ضبط المتهمين أثناء أو بعد ارتكاب الجريمة وهى جهود مشكورة ولكنها علاجية أكثر منها وقائية، ولذلك أتمنى أن توجه جهودها إلى الوقاية من الفساد ومنع وقوعه، وهذا أفضل بكثير من علاجه، فكما يقولون «الوقاية أفضل وأرخص من العلاج».
الفساد المنتشر فى مصر حالياً لن يقضى عليه سوى العمل فى اتجاه الوقاية منه ومنع حدوثه من المنبع وهذا ليس بالأمر الصعب، تصورى المتواضع للفساد أنه هش وسهل القضاء عليه رغم أنه ضارب بجذوره فى معظم مؤسسات الدولة وتحول من فساد الإدارة إلى منظومة لإدارة الفساد.
ومع ذلك إذا توافرت الإرادة الحقيقية للقضاء عليه فسوف ننجح، وأعتقد أنها متوافرة حالياً ويجب استغلالها للوقاية منه ومنع حدوثه أصلاً والقضاء على الأسباب التى تؤدى إليه.
كما يجب التوسع فى تعريف الفساد، فهو ليس فقط الحصول على رشوة مقابل تأدية الخدمة أو الاستيلاء على المال أو تسهيل الاستيلاء عليه أو التربح من الوظيفة بطريقة غير شرعية، ولكنه أيضاً عدم الإتقان فى العمل ومعارضة التغيير والتطوير وعدم متابعة المشروعات وإهمال صيانتها، الفساد هو تقاضى أرباح وحوافز من مؤسسات خاسرة وسفر المسئولين على نفقة مؤسساتهم الفاشلة وكثرة البعثات والسفارات والمكاتب المصرية فى الخارج بدون فائدة على البلد.
الفساد هو عدم الإبداع والتفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول لمشاكلنا، الفساد هو تدمير الصناعة الوطنية لصالح الاستيراد والتوسع فى الاقتراض على حساب الإنتاج والاستثمار وتدمير الكفاءات الوطنية وعدم الاستفادة منها وبالتالى هروبها خارج البلاد.
الفساد هو عدم وجود رؤية ثابتة للدولة لا تتغير مع الأشخاص، فالبداية من نقطة الصفر تهدر علينا الوقت والأموال والفرص.
أما أخطر أنواع الفساد فهو سوء اختيار القيادات لأنه سبب كل الفساد الذى ذكرناه، فالقيادات الفاشلة لم تتسبب فقط فى انتشار الفساد والفقر والجهل والمرض وإهدار الدماء والأموال وتدهور الخدمات ولكنها قد تتسبب فى انهيار المؤسسات بل الدولة بالكامل وأمامنا نموذج الاتحاد السوفيتى الذى كان إمبراطورية عظمى (أول دولة صعدت للقمر) ولكن القيادات الفاشلة دمرتها ونحن نعلم جميعاً بالمسئول الذى كانت مهمته اختيار القيادات فكان يختار أسوأها واكتشفوا أنه كان عميلاً للمخابرات الأمريكية وحكم عليه بالإعدام لأنه تسبب فى انهيار الإمبراطورية السوفيتية.
حُسن الاختيار هو نصف النجاح لأن القيادة الكفء تعتمد على الأكفاء حتى ترتقى بمؤسساتها، أما القيادة السيئة فتجمع حولها الفاشلين الضعفاء وتستبعد المتميزين، حُسن اختيار القيادات هو بمثابة الوقاية من الفساد واجتثاث جذوره.
الرقابة الإدارية كان لديها مشروع بنك القيادات وهو حصر لكل الكفاءات الموجودة فى الدولة ومصر لا تنقصها الكوادر فى القطاعين العام والخاص ومن المصريين فى الداخل والخارج.
حُسن اختيار القيادات هو علاج للمرض وليس للعرض، لأسبابه وليس لنتائجه، فالوقاية دوماً أفضل وأرخص من العلاج، بحق دماء الشهداء الذين يموتون يومياً حتى نعيش: «أحسنوا الاختيار حتى نترك لذريتهم دولة قوية متقدمة ينعمون فيها بالرفاهية والسعادة».