هل تفقد مصر «أنبوب الأوكسوجين» وتدخل فى حالة «موت إكلينيكى» إذا توقفت عنها «المعونة الأمريكية»؟؟.. أم أن العكس هو الصحيح: أن أمريكا تفقد الحصن المنيع ضد تنظيم «داعش» الإرهابى والمتطرفين الراديكاليين المدعومين من إيران فى الشرق الأوسط، وربما تفقد ثقة الزعيم العربى الذى استطاع أن يضبط التوازنات الإقليمية رغم عواصف «الخريف العربى»، وأعنى هنا الرئيس «عبدالفتاح السيسى»؟!
بداية، ما هى فائدة المعونة التى تقدمها أمريكا لمصر وإسرائيل بموجب اتفاقية «كامب ديفيد»؟؟
هناك منظمة أمريكية تسمى «الغذاء أولاً» أصدرت قبل نحو 20 عاماً سلسلة كتب باسم «أمريكا وصناعة الجوع» تفند خلالها بنود المعونة الأمريكية المقدمة لدول العالم الثالث.
ووفقاً لما وثقته تلك المنظمة، فإن المعونة العسكرية كان معظمها أسلحة خفيفة لقمع الشعب (مثل الطلقات المطاطية والغاز المسيل للدموع)، وبعد ذلك يأتى نصيب الخبراء الأمريكان فى كعكة المعونة التى لا يتبقى منها إلا الفتات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية!! المعونة الأمريكية كانت فى معظمها «برامج» تُحدث دوياً إعلامياً، أكثر بكثير من حجمها الفعلى، لكنها ظلت -رغم ذلك- سيفاً مسلطاً على رقبة أصحاب القرار السياسى.
لقد تجرعنا عدة مرات مرارة التهديد، وقبلنا مهانة تخفيضها، دون أن ننظر إلى المعونة المقدمة لإسرائيل والتى جعلت منها دولة صاحبة ترسانة عسكرية حديثة، ولغماً نووياً فى قلب العالم العربى.
ولا أدرى لماذا لم ترفض مصر المعونة التى تضاءلت حتى اختفت، على الأقل لتتحرر من التدخل السافر فى الشئون الداخلية.
فما تراه «الإدارة الأمريكية» إهداراً لحقوق الإنسان، أو بتعبير مجلة «أمريكان ثينكر» الأمريكية، أن مصر ليست نموذجاً مثالياً لحقوق الإنسان، بحسب التعريف الأمريكى لحقوق الإنسان، كما أنها ليست ديمقراطية على الطراز الأمريكى، مما تسبب فى حجب المعونة، هو كلمة حق يراد بها باطل!
أمريكا لا تهتم إلا بمصالحها، وكما قال الإعلامى «مايكل مورجان»، فإن توقيت هذا القرار يطرح علامات استفهام، وخاصة حول الموقف الراهن فى منطقة الشرق الأوسط ومقاطعة قطر التى من الواضح أنها تبذل قصارى جهدها لمحاولة اكتساب عطف وولاء دوائر صناع القرار الأمريكى للضغط على دول المقاطعة بجميع الطرق المتاحة (!!).
هناك تناقض وارتباك حقيقى بين المؤسسات القديمة داخل واشنطن، والدول المنتفعة من سياسات الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» وفى مقدمتها قطر وتركيا، وجميعها تحاول فرملة «المصالح المشتركة» بين مصر وأمريكا.. ويظهر هذا بوضوح فى حملات إعلامية مشبوهة تشنها صحف ووسائل إعلام أمريكية من آن إلى آخر ضد مصر. وفى المقابل تعارض وسائل الإعلام الأمريكية الموالية للحزب الديمقراطى، التى لم تلوثها رشاوى قطر، هذا القرار المفاجئ، ثم يأتى بعد ذلك رد القاهرة الرسمى على لسان وزارة الخارجية أكثر اتزناً من موقف «تيلرسون» الذى لقّبته بعض الصحف الأمريكية بـ«المرشد الأمريكانى»، والناطق باسم الدوحة داخل البيت الأبيض، لتؤكد مصر بحكمة ودبلوماسية حرصها على العلاقات الاستراتيجية التى تربطها مع أمريكا، داعية الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر فيما يواجه مصر من تحديات اقتصادية وأمنية، وإلى التوقف عن سياسات خلط الأوراق لحماية المصالح المصرية الأمريكية المشتركة.
رد القاهرة المتزن أكد وقوف الدولة المصرية على أرض صلبة دعائمها علاقات متزنة مع كافة الدول والأطراف الخارجية، وعمادها الثقة فى أن دولة 30 يونيو، التى عاشت دون معونة أمريكية فى سنوات «أوباما» الأخيرة داخل البيت الأبيض، لن يثنيها عن مسيرتها على صعيد السياسة الخارجية إعلام ممول أو أقلام مأجورة.. حتى ولو ظل الكونجرس على موقفه الرافض لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها «جماعة إرهابية»!
لقد تألمت أمريكا حين اتجهت مصر لتنويع مصادر السلاح، بعد ثورة 30 يونيو، بعد أن كانت مصر ملتزمة بشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة وحدها! بينما كانت واشنطن تستفيد -فى المقابل- بالسماح لطائراتها العسكرية بالتحليق فى الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس.
ثم أصيبت أمريكا بالإحباط حين اعترف العالم بأكمله بثورة يونيو، وأصبح «السيسى» هو الدرع الواقى من سيطرة التنظيمات الإرهابية على ليبيا والعراق وسوريا، وبذلت مصر جهوداً دبلوماسية من أجل إنهاء الحرب فى سوريا بدأت تؤتى ثمارها، مما أوقف الزحف الإيرانى على سوريا والمنطقة العربية. وأخيراً، دخل «قانون الجمعيات الأهلية» حيز التنفيذ، لتفقد أمريكا عيونها ومراكز تجسسها واختراقها لمصر، وأصبحت مراكزها القوية مثل «كارنيجى ومؤسسة بروكينجز) مهددة فى عملائها وحربها المعلوماتية، فقامت بـ«التضخيم والمبالغة» بشأن وضع حقوق الإنسان فى مصر.
الخاسر الوحيد من حجب أو تخفيض المعونة الأمريكية هو صاحب «الدولار الضريبى» فى أمريكا، لأنه يخسر رأس الحربة فى حلف «مكافحة الإرهاب»!
أما المواطن المصرى فليس بحاجة إلى غاز مسيل للدموع ولا رصاصات مطاطية ولا خبراء أمريكان!!