أكثر من مرة أمسك نفسى قبل الاتصال بمحمد سعد لتوبيخه، أفلامه -كبطل- كانت مسلية وتُضحك الجمهور، لكن -بشكل شخصى- كنت أشعر بالضيق، بسبب إصراره على تدمير موهبته، التى أتابعها منذ أدواره الأولى، التى كان يبحث فيها عن ربع فرصة ليُقدّم لنا من مخزون موهبة طازجة، لم يُلوثها الادعاء، لا أجامله إذا قلت إنه أكثر أبناء جيله موهبة.. هو ممثل من العيار الثقيل الذى يقف فى مكانة واحدة مع عمالقة بحجم زكى رستم ومحمود المليجى وآخرين قادرين على صناعة الدهشة، لكن النجاح المدوى الذى حدث له مع شخصية الليمبى أصابه فى مقتل.
أن تشارك بعدة مشاهد فى فيلم مع نجم مثل علاء ولى الدين، ومشاركة لشاب ينتظر فرصة مثل أحمد حلمى، فتلفت الأنظار بشدة، وينتظر الجمهور ظهورك على الشاشة، ويتم اختيارك بعده لبطولة فيلم، فينجح الفيلم ويحقّق أرقاماً كبيرة، ليست بالأمر الهين.. حدث هذا مع محمد سعد الذى تحول إلى شاب يقدم شخصيات غريبة وينتزع الضحكات ويشاهد مشاحنات الناس أمام دور العرض ليحجزوا مقعداً.
مع نجاح فيلمه الأول، بدأ «الممثل» فى الاختفاء، وظهر «الليمبى».. الظاهرة كان أقوى من الموهبة، و«إيفيهاته كانت فى جيبه» حسبما قال لمنتج الفيلم بعد شجار معه، انتهى لتحويل الفيلم إلى منتج آخر بعد أن ترك له اسم الفيلم وطرحه تحت اسم «اللى بالى بالك» نجح الفيلم الثانى والثالث له، بدا «الليمبى» أكثر سطوة ونفوذاً على الموهبة، لا صوت يعلو فوق صوته، هو المؤلف والمخرج والممثل وصاحب الرؤية وصاحب القرار، «المراية» التى كان يضعها عادل إمام فى غرفة مسرحه ليُدون عليها إيراداته، تحولت من مسرح الهرم إلى «الليمبى»، كانت إيرادات الشباك تصعد وتهبط معها سطوة الموهبة.
مع الوقت اكتشف «الليمبى» أنه يقف وحيداً فى مواجهة أجيال تقدم أفكاراً، بعيداً عن سذاجة الشخصيات التى تم استنساخها من الليمبى، والشباك الذى كان ينتصر له، يعانده، الإيرادات تتراجع، والأضواء تقل، الجميع لا يريد الاقتراب منه، لا مخرجون ولا مؤلفون ولا ممثلات، «الليمبى» لا يريد إلا نفسه، ولا يسمح لأحد بأن يطرح وجهة نظر.
لكن من جديد، ظهر شريف عرفة، المخرج العبقرى صاحب التجارب الناضجة والأفكار غير التقليدية، الذى ظهر معه «سعد» بالمناسبة، كانت الأسئلة تدور هل يوافق «سعد» على العمل مع محمد رمضان، وهل يخضع لرؤية المخرج ولا يفرض وجهة نظره، وهل يتعامل مع القصة التى كتبها عبدالرحيم كمال والنص السينمائى الذى قدّمه عرفة بهدوء؟ الإجابة كانت نعم، «سعد» قَبِل التحدى، هنا حدث التحول، ليكتشف الجمهور العادى «كنزاً» اسمه الممثل محمد سعد، يمتلك حضوراً طاغياً، وأدوات أخفاها تحت شخصيات مصطنعة، وأداء عالٍ بعيداً عن الاصطناع.
فى «الكنز» عاد إلينا الممثل محمد سعد، كممثل يمتلك سر الصنعة، ومات «الليمبى» بكل مرحلة العبث التى شارك فيها وصنعها، قد يكون الفضل فى ذلك لشريف عرفة، وقد يكون للظرف الذى فرض نفسه، أو محمد سعد.. أياً كانت الأسباب، فالمهم أن «سعد» أمامه فرصة تاريخية، يقدم فيها لجمهور «الممثل» الذى كان يلعب على المسرح مسرحيات شكسبير وينتزع منهم التصفيق، ليس مطلوباً منه أن يغلق الباب على أدوار لا تهتم بها شريحته الكبيرة، لكن على الأقل لديه فرصة لأن يُنفّذ نصيحة أحمد زكى الذى قال إنه يقدم فيلمين للجمهور وفيلماً لنفسه.