حيرة ممتدة أصابت الكثيرين وهم يتأملون الطريقة التى يدار بها الإعلام فى مصر، يستوى فى ذلك الصحافة مع القنوات التليفزيونية مع المحطات الإذاعية. فعندما وقعت واقعة الواحات عصر الجمعة الماضى، وبدأت الأنباء تتواتر حول سقوط شهداء من جنود وضباط الشرطة فى معركة مع مجموعة إرهابية، كان الإعلام المصرى، بلا استثناء، يعيش حالة من الصمت الرهيب، والمريب أيضاً. تطلب الأمر عدة ساعات حتى خرجت علينا وزارة الداخلية ببيان رسمى لا يحمل أية معلومات، بل كلمات غائمة وكأنها تريد نشر سحابة حول الحدث، وليس كشف الغطاء عما يحدث. الواقع والتجربة تقول إن الإعلام كان لديه معلومات، لكن إرادة النشر أو البث كانت غائبة تماماً.
لا يختلف اثنان على أن الإعلام المصرى يتحكم فيه مَن يملكه أو يسيطر عليه. ومؤكد أن الحالة التى ظهر عليها خلال أحداث الواحات كانت تعكس إرادة ورغبة المالك أو المسيطر. أستطيع أن أتفهم رؤية البعض فى أن الأنسب لمصر حالياً أن تدار وسائل الإعلام بمعادلات «إعلام الحرب»، لكن المشكلة أنك تتصرف فى عام 2017 بمنطق وأسلوب عام 1960. فى الستينات كانت السلطة تسيطر على الإعلام سيطرة كاملة، ولم يكن أمام المواطن سوى الوجبة اليومية التى تبثها له وسائله، لم يكن يقرأ إلا صحفه الثلاث اليومية، ولم يكن يسمع سوى إذاعته، ولا يشاهد إلا القناتين التليفزيونيتين المقررتين عليه. اليوم نعيش مشهداً إعلامياً مختلفاً كل الاختلاف. ففى الوقت الذى صمت فيه الإعلام المصرى عن ذكر معلومات عن أحداث الواحات كانت الفضائيات التى تبث من كل الدنيا تتابع الحدث لحظة بلحظة وتحكى كل جديد فيه، وكانت وسائل التواصل الاجتماعى تتكفل بالتقاط الأخبار والتقارير من جميع الاتجاهات وتوفرها للمستخدم الذى لم يسمع أو يشاهد.
بدت وسائل الإعلام المصرى فى منظر شديد السوء، حين اضطر العاملون بها إلى بث موادهم وبرامجهم المعتادة، فاستغرقوا فى بث المعلومات عن زواج فنان من فنانة، والتغطيات لمباراة كرة قدم، وحديث أحد رؤساء الأندية عن الفرق المنافسة التى تهزمهم بالجن والأشباح، وهو أمر أصاب المواطن المتابع بغصّة، ودفع البعض إلى لعن الإعلام الذى لا يشعر بالضباط والجنود الذين يقدمون دماءهم فداء للوطن. منظر الإعلام المصرى كان شديد البؤس، أمام وسائل إعلام الدنيا التى تعاملت مع الحدث بدرجة واضحة من المرونة، بدا معها إعلامنا وكأنه فى «ثلاجة».
والسؤال: هل المالك الموجه لوسائل الإعلام المصرى يرى أن المكان الحقيقى للإعلام ونحن نخوض معركة ضد الإرهاب هو «الثلاجة»؟، بعبارة أخرى هل السيطرة على الإعلام هدفها مجرد التجميد؟، وما قيمة أو فائدة السيطرة فى هذه الحالة وغيرك يعمل بمنتهى السهولة والسيولة وهو يتابع الأحداث داخل مصر؟. لن ينجح الإعلام فى لعب دور فى محاربة الإرهاب أو الفساد أو تفعيل أدوار المواطنين فى معركة النهضة والتنمية وهو يعيش فى هذه «الثلاجة». الأداء سيئ، ولا يوجد عقل مهنى يمتلك الرؤية والقدرة على خلق الأدوات القادرة على التأثير فى الجمهور. الإعلام المصرى يمارس المهنة بمنطق المنشورات السياسية. والمنشورات لا تصنع إعلاماً ناجحاً.. أفيقوا يرحمكم الله.. رحم الله شهداء الوطن.