فى سابقة قضائية.. «الدستورية» تقضى بعدم الاعتداد بجميع الأحكام المتعلقة بـ«تيران وصنافير»
إحدى جلسات نظر قضية «تيران وصنافير» «صورة أرشيفية»
قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار حنفى جبالى، النائب الأول لرئيس المحكمة، بعدم الاعتداد بجميع الأحكام المتناقضة الصادرة من مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة، فى قضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية ونقل تبعية جزيرتى تيران وصنافير للمملكة.
كما قضت المحكمة، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، بعدم قبول منازعتى التنفيذ المقامتين من الحكومة لإلغاء حكم القضاء الإدارى ببطلان الاتفاقية.
ويعنى كلا الحكمين استمرار تطبيق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وعدم تغير موقفها القانونى، ولا يتبقى أى مسار قضائى آخر فى شأن الاتفاقية سوى الدعوى القضائية التى أقيمت أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، طعناً على الاتفاقية عقب إقرارها ونشرها فى الجريدة الرسمية، وما زالت هذه الدعوى متداولة أمام القضاء الإدارى ولم يصدر بشأنها أى قرار.
المحكمة: اتفاقية الترسيم مع السعودية عمل سيادى.. وحكم «الإدارية العليا» تجاوز اختصاصه.. و«الأمور المستعجلة» انتحلت اختصاصاً ممتنعاً عليها دستوراً
ويعد حكم «الدستورية العليا» أمس، بعدم الاعتداد بأى من حكمى «مجلس الدولة» و«الأمور المستعجلة» فى شأن الاتفاقية، سابقة أولى فى تاريخ المحكمة الدستورية العليا.
وقالت المحكمة، فى حيثيات حكمها بشأن هذا الحكم، إن توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى مصر والسعودية يعد بلا ريب من الأعمال السياسية والسيادية.
وأضافت: «إذا كان الحكم الصادر فى الدعويين رقمى 43709، 43866 لسنة 70 ق «قضاء إدارى» والمؤيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 74236 لسنة 62 ق «عليا»، قد خالف هذا المبدأ، بأن قضى باختصاص القضاء الإدارى بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على الاتفاقية، حال كونه ممنوعاً من ذلك، وعدواناً على اختصاص السلطة التشريعية، فإنه يكون خليقاً بعدم الاعتداد به».
وحيث إن المادة (190) من الدستور تنص على أن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، وكان الحكم الصادر فى الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة المؤيد بالحكم الصادر فى الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعى جنوب القاهرة قد خالف هذا النظر، وفصل فى منازعة تنفيذ موضوعية متعلقة بحكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، فإنه يكون قد انتحل اختصاصاً ممتنعاً عليه دستوراً، ويكون، والحال كذلك، حقيقاً بعدم الاعتداد به.
وأشارت المحكمة إلى أن العبرة فى تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجريه السلطة التنفيذية، لمعرفة ما إذا كان من أعمال السياسة أم لا، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، رهن بطبيعة العمل ذاته، فإذا تعلق العمل بعلاقات سياسية بين الدولة وغيرها من أشخاص القانون الدولى العام، أو دخل فى نطاق التعاون والرقابة الدستورية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ عُدَّ عملاً من أعمال السياسة، وبالبناء على هذا النظر؛ فإن إبرام المعاهدات والتوقيع عليها يعد من أبرز أمثلة هذه الأعمال، وذلك من وجهين؛ الأول: تعلقها بعلاقة بين السلطة التنفيذية، ممثلة للدولة، وبين سائر أشخاص القانون الدولى العام، من دول ومنظمات دولية، وذلك فى مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ، الثانى: وقوعها فى مجال الاختصاص المشترك، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وتابعت المحكمة: «بمقتضى المادة (151) من الدستور يراقب مجلس النواب السلطة التنفيذية فيما تبرمه من معاهدات، وله أن يوافق أو يرفض ما يدخل منها فى اختصاصه بموجب الفقرة الأولى من المادة المذكورة، كما له تقرير ما إذا كانت تلك المعاهدات تتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة ذاتها، فيُحال ما يندرج منها فى الفقرة الثانية للاستفتاء، ويمتنع عن الموافقة، بأية صورة، على ما يتعلق منها بالنزول عن شىء من إقليم الدولة أو ما يخالف الدستور».
يجوز للمحكمة الرقابة القضائية على دستورية الاتفاقية عقب إقرارها ونشرها بالجريدة الرسمية.. وعدم قبول منازعتى الحكومة استند لعدم تعرض مبادئنا السابقة لموضوع الاتفاقية
وأكدت المحكمة أن سلطة البرلمان فى ذلك سلطة حصرية لا يشاركه فيها غيره، فإذا ما استنفد مجلس النواب سلطاته، كان ملاك الأمر، مرة أخرى، لرئيس الجمهورية وحده، بما له من سلطة، إن شاء صدق على المعاهدة، وإن شاء أبَى، وذلك كله وفقاً لتقديراته السياسية وما يتطلبه صون المصالح العليا للبلاد، ويمتنع على السلطة القضائية بجميع جهاتها ومحاكمها التدخل فى أى من هذه الشئون جميعها حتى تمامها.
وأشارت المحكمة إلى أنه إذا نُشرت المعاهدة وفقاً للأوضاع المقررة فى الدستور، وأصبح لها قوة القانون، جاز مراقبتها قضائياً من وجهين؛ الأول: رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة فى الدستور، الثانى: الرقابة الموضوعية للمعاهدة، وهى رقابة تجد موجباتها فى نص الفقرة الأخيرة من المادة (151) من الدستور، التى حظرت مخالفة المعاهدة لأحكام الدستور كافة، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، من وجهيها، هى رقابة دستورية وليست رقابة مشروعية، وهى، بهذه المثابة، منوطة استئثاراً بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أياً كانت.
وفيما يتعلق بعدم قبول منازعتى التنفيذ اللتين أقامتهما هيئة قضايا الدولة، نائبة عن الحكومة، لوقف تنفيذ حكم القضاء الإدارى بـ«مصرية الجزيرتين»، قالت المحكمة إن الأحكام الثمانية الصادرة من المحكمة الدستورية العليا والمودعة بصحيفة دعوييى منازعة التنفيذ، لا تتعلق بموضوع حكم القضاء الإدارى المطلوب إلغاؤه.
وتابعت أن هذه الأحكام الثمانية لم تتعرض -سواء فى منطوق كل منها أو ما يتصل به من أسبابها اتصالاً حتمياً- للفصل فى دستورية توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية والموقعة فى القاهرة بتاريخ 8/4/2016.
ولا يؤثر هذا الحكم بعدم قبول منازعتى التنفيذ بأى صورة على الحكم الآخر الصادر من المحكمة الدستورية أيضاً بعدم الاعتداد بجميع الأحكام التى صدرت من القضاء الإدارى والأمور المستعجلة فى قضية تيران وصنافير.
وأقامت المحكمة حكمها تأسيساً على أن البين من الاطلاع على الأحكام الثمانية الصادرة من المحكمة الدستورية العليا المقدمة من الحكومة لم تتعرض -سواء فى منطوق كل منها أو ما يتصل به من أسبابها اتصالاً حتمياً- للفصل فى دستورية توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة فى القاهرة بتاريخ 8/4/2016، أو أى شأن آخر متصل بهذه الاتفاقية، التى كان بطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية عليها وما يترتب على ذلك من آثار هو موضوع ومنطوق الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعويين رقمى 43709، 43866 لسنة 70 ق، والمؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 74236 لسنة 62 قضائية عليا السالف بيانهما.
وأضافت المحكمة أن الحكمين لم ينطويا على ما يكشف -صراحة أو ضمناً- على إقراره مبدأ خضوع أعمال السيادة أو إبرام المعاهدات الدولية -فى كل الأحوال- للرقابة القضائية لمحاكم مجلس الدولة، وإنما كان سبيل الحكمين المذكورين فى الرد على الدفع المبدى أمامهما بعدم الاختصاص الولائى لمحاكم جهة القضاء الإدارى: هو تجريد الاتفاقية موضوع المنازعتين المعروضتين من وصف أنها عمل من أعمال السيادة، وتكييفها بأنها عمل من أعمال الإدارة، مما يختص القضاء الإدارى بنظر الطعن عليه، التزاماً بحكم المادتين (97، 190) من الدستور، ونص البند (الرابع عشر) من المادة (10) من قانون مجلس الدولة.
وذكرت أن حكم محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، وحكم المحكمة الإدارية العليا السالف بيانهما، قد شُيدا على تأويل لمؤدى نص المادة (151) من دستور 2014، وسد لهما اختصاص ولائى بالتصدى للفصل فى بطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية المار ذكرها وما يترتب على ذلك من آثار -وأياً كان وجه الرأى فيما قُضى به- فإنه لا يقيم ثمة صلة بين الحكم والقرار الصادرين من محاكم مجلس الدولة، وبين الأحكام الثمانية الصادرة من المحكمة الدستورية العليا الفائت ذكرها، ومن ثم فلا يشكل الحكمان المذكوران عقبة فى تنفيذها، مما يتعين معه -تبعاً لذلك- القضاء بعدم قبول الدعويين المعروضتين.
وأفصحت المحكمة الدستورية العليا فى أسباب حكمها الصادر بعدم قبول المنازعتين المشار إليهما أن حجية هذا الحكم لا تمتد إلى الفصل فى الشرعية الدستورية لأى حكم إجرائى أو موضوعى يتصل بهذه الاتفاقية؛ باعتبار أن ذلك مما يجاوز نطاق منازعتى التنفيذ المعروضتين سبباً وموضوعاً، ويظل الفصل فى الشرعية الدستورية للاتفاقية المار ذكرها منضبطاً بالضوابط المنصوص عليها بالمادة (151) من الدستور أمراً لا يتسع له قضاء هذه المحكمة فى هاتين المنازعتين.