سكان العشوائيات: «مش كفاية اللى إحنا فيه هتخلونا تسليتكم فى العيد كمان؟»
وسط حى شعبى عشوائى، تقطنه مئات الأسر يسعون لكسب العيش الحلال، عبر ممارستهم لمهن شاقة، هكذا هى الحياة داخل التجمعات العشوائية فى قلب القاهرة، التى تسعى «سينما العشوائيات» إلى نقل أسوأ ما فيها، على حساب من يعيش داخلها، تحت مبرر أنهم ينقلون صورة حقيقية لما يحدث فى عشوائيات المجتمع المصرى.[FirstQuote]
البلطجة، والدعارة، والمخدرات، وأولاد الشوارع، توجد داخل المناطق العشوائية، التى يقبع أغلبها فى القاهرة الكبرى، ويتجاوز عددها على مستوى الجمهورية، بحسب الجهاز المركزى للإحصاء، 1221 تجمعا عشوائيا، مترامية الأطراف، يقطنها أكثر من 15 مليون مواطن، أى بنسبة تصل إلى 13% من إجمالى سكان الجمهورية، وفقا للتقرير السنوى للسكان الصادر عن الأمم المتحدة فى عام 2008، يقيم فى القاهرة وحدها أكثر من 8 ملايين فرد، لكنها ليست بالضرورة كما تصورها وتنقلها أفلام السينما، حسب وصف أهلها الرافضين لخلق هذه الصورة الذهنية عنهم، مؤكدين أن هذه الأعمال مبالغ فيها، لكنها ظاهرة بسبب تسليط الضوء عليها إعلاميا، والغياب الأمنى داخل هذه المناطق التى يرفض أهلها تسميتها بالعشوائية، كما يقولون «إحنا مش عشوائيات إحنا مهمشين».
على مدخل عزبة أبوحشيش، إحدى أشهر المناطق العشوائية الراقدة فى قلب القاهرة، وسط رصات الروبابيكيا وأكوام الخردة، يشير فتوح سعد، صاحب الوجه الأسمر، ذى الملامح الحادة، بسبابته قائلاً «هنا على المزلقان صورت بعض اللقطات فى فيلم «حين ميسرة» لكنهم لم يدخلوا إلى داخل العزبة»، ووصف الفيلم بأنه أساء إلى أهالى المنطقة كلها، قائلاً: «المنطقة هنا يوجد بها الكويس، والوحش، مثل جميع المناطق المختلفة، هناك بعض المناطق التى تنتشر فيها شقق الدعارة مثل العجوزة، متسائلا «هل هذا يعنى أن المنطقة كلها تعمل فى هذا النشاط؟! لا طبعا إحنا هنا فى العزبة كده».
يلتقط طرف الحديث ابن عمه محمود منصور، محددا النسبة التى تتحدث عنها هذه النوعية من الأفلام بأنها لا تتجاوز 5% من السكان، سواء التى تحدث عنها فيلم خالد يوسف «حين ميسرة»، أو أفلام محمد رمضان التى كانت آخرها «قلب الأسد»، الذى يعاد عرضه فى دور العرض ضمن مجموعة من الأفلام التى وصفها بأنها تحقق نجاحها على حساب أهالى المناطق الفقيرة، والمهمشة، بدلا من السعى لعلاج مشكلاتهم الحقيقية.[SecondImage]
على بعد أمتار داخل العزبة التى تكتسب شهرة كبيرة فى تجارة المخدرات، وأعمال البلطجة باعتراف أهلها، الذين يدعون من يدخلها إلى معرفة الحقيقة على أرض الواقع، مؤكدين أنها تختلف عن الأكاذيب التى تعرض سواء فى السينما أو غيرها من وسائل الإعلام المختلفة عنهم، على حد زعمهم.
يجلس 3 من الشباب على مقهى مصنوع من جريد النخيل، تضرب أشعة الشمس فى وجوههم، ليظهر المقهى من الداخل مظلما، يتفحص الداخل إليه الجالسين بحذر، محاولا سرقة النظرات دون أى يشعر أحد، ليفاجأ بتصويب جميع رواد المقهى النظر إليه، الكل فى الداخل يعرف بعضه جيدا، وسط تجاوب محدود من البعض، يقتصر على جلسة ثلاثية العدد، يبدأ الحديث ياسر سعد، شاب فى العقد الرابع من العمر، منتقداً تضخيم السلبيات وجعلها هى الشىء السائد داخل المناطق التى يعيشون فيها، ومؤكدا أن آثار هذه النوعية من الأفلام لا تقتصر على الإساءة إلى سكان المنطقة، وإنما يمتد تأثيرها إلى «شباب العشرينات عندنا»، فى إشارة إلى أبناء الحى الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما، وأن ذلك بدأ يظهر فى سلوكياتهم وأفعالهم، يقطع حديثه ممدوح رضوان القابع بجواره، قائلاً: «فيه عيال هنا لها أسماء شهرة لها مثل عبده موتة، والألمانى ويتباهون بذلك، والنسبة الأكبر من رواد هذه الأفلام هم من سكان المناطق العشوائية، ويتأثرون بما فيها، وليس العكس كما يدعى مخرج ومنتج الفيلم أنهم ينقلون صورة حقيقية لما يحدث فى الواقع.[ThirdImage]
وعن سبب الإقبال على هذه النوعية من الأفلام، وفقا لمحمد الشيمى، هى مخاطبة غرائز الجيل الجديد من الشباب الذى أطلق عليه «جيل السجارتين»، لأن اهتمامهم مقتصر على شرب سيجارة الحشيش، على حد زعمه، على عكس «جيل الكورة» اللى تربى هو فيه، كما يقول.
حسين مسعود، شاب قادم من صعيد مصر، سعيا وراء الرزق، ما زالت عادته التى نشأ عليها فى صباه تطغى على تصرفاته وملابسه، حيث يرتدى جلبابه البلدى، وكلامه لا يخلو من كلمات قليلة تخرج من فمه بلهجته الصعيدية، يرفض ما تقدمه الأفلام عن المناطق العشوائية، مؤكداً أنه لا يراها، ولكن حالة السخط التى انتابته، نتيجة مشاهدته لإعلانات الأفلام على شاشة الفضائيات، وتابع: «ثلثا المنطقة يعرفون بعضهم جيدا وبينهم عائلات ونسب وصلة قرابة، وإذا حدث لأى شخص فينا أى ظرف طارئ يقف الجميع معه، لا يستطيع أحد النظر إلى نساء جيرانه، ومعظم الموجودين هنا صعايدة ونحترم العادات والتقاليد التى تربينا عليها»، ويرى أن هذه الأفلام هى التى تتسبب فى تغيير العادات بالنسبة للأجيال الجديدة التى نشأت فى القاهرة وتلعب دورا فى ظاهرة التحرش التى تنتشر فى الأعياد بين الصبية الصغار ولا تستطيع الحكومة السيطرة عليها.
«إحنا أولادنا فى كليات محترمة» هكذا تحدث محمود الشاهينى، موظف بإحدى شركات القطاع العام، عن ابنه طالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة، رافضا الصورة التى تسعى السينما إلى نقلها، قائلاً: «إحنا مش عشوائيات قوى يعنى، عندنا هنا مدرسين وناس ولادها فى ثانوية عامة وفى كليات الهندسة، والتجارة، العشوائيات بتطلّع ناس متعلمة، ونضيفة برضه، لكنهم ضحايا الحكومة ومعظم الخدمات الحكومية شبه منعدمة، وفى الآخر تطلع أفلام السبكى وخالد يوسف لتشويه صورتنا»، يصمت لبرهة تشقها ابتسامة ساخرة خفيفة، «مش كفاية اللى إحنا فيه هتخلونا تسليتكم فى العيد كمان؟».
أخبار متعلقة :
علم النفس والاجتماع يقول لكم: أفلام «ما بعد 25 يناير» ترسخ العنف.. وتهدم المجتمع
على أبوشادى: هوجة الأفلام الجديدة تحتاج إلى «رقيب صايع»
سكان العشوائيات: «مش كفاية اللى إحنا فيه هتخلونا تسليتكم فى العيد كمان؟»
الناقدة خيرية البشلاوى: المنتج وجد من يشترى «بضاعته».. فتمادى فى عرضها
السينما.. تاريخ طويل من حلم «العالمية» إلى أفلام «السبكية»
أفلام العيد.. «زمن الفن القبيح»