«عبدالقادر قبلى».. منطقة معزولة فى قلب الإسكندرية تسعى للحياة بـ«قوارب موت»
تزايد خطر المرور من المصرف مع تزايد عدد ركاب «معدية الموت»
«معدية الموت».. «فلوكة» صغيرة تتحرك ببطء فى مياه مصرف ترعة النوبارية بالإسكندرية، تحمل أطفالاً ونساءً ورجالاً من البر القبلى إلى البحرى، بالتزامن مع انتظار آخرين لعودة الفلوكة مرة أخرى، لتقلهم إلى الجانب الآخر من شاطئ الترعة، حيث اعتادوا على تلك الوسيلة منذ 35 عاماً، ورغم حالة الخوف التى تسكن قلوب العابرين للمصرف من الموت غرقاً إلا أنهم لا يملكون وسيلة أخرى للعبور.
الأهالى: فلوكة خشبية تتسع لـ6 أشخاص وسيلة عبور الطلبة والأهالى من المنطقة وإليها منذ 35 عاماً.. ومسئول: وصلتنا شكاوى وننتظر رد وزارة الرى
وسط طريق جبلى وأراضٍ غير ممهدة تكسوها الرمال والحجارة، يسير أهالى المنطقة القبلية المقابلة لمساكن «عبدالقادر الجديدة» غرب الإسكندرية فى طريقهم للفلوكة، لا توجد أى وسيلة للمواصلات، يحاولون التأقلم منذ أكثر من 35 عاماً، مع المشقة التى يواجهونها لقضاء حوائجهم، فهم يعيشون فى منطقة معزولة خارج نطاق الخدمات، تحاصرهم مياه ترعة «النوبارية» شمالاً وشريط قطار «مطروح» جنوباً، دون وجود أى طريق للعبور إلى الجانب الآخر سوى نهر الترعة، حيث تتوافر الخدمات التعليمية والصحية وكل مقومات الحياة، أما الطريق العمومى فهو غير ممهد ولا تستطيع السيارات السير عليه ويكاد يكون مهجوراً.
«بعض الأهالى منعوا أبناءهم من التعليم بسبب خوفهم من عبور الترعة والموت غرقاً.. «هذا كان رد سعاد محمد، ٣٠ سنة، تعمل بإحدى حضّانات المنطقة، التى أكدت أن المنطقة القبلية انعزلت تماماً عن الحياة المدنية بعد حفر مجرى مائى للصرف الزراعى عام 1983، فالمنطقة التى تمتد مساحتها على مسافة 6 كيلومترات من منطقة مرغم إلى عبدالقادر، لا يوجد بها سوى كوبرى عبور مشاة على أول طريق «مرغم»، وكوبرى آخر أمام معسكر «الأمن المركزى»، ويقع أهالى المنطقة فى الوسط دون سبيل لعبور الجانب الآخر سوى فلوكة صغيرة مثبتة على «براميل» يستخدمونها كـ«معدية» للوصول إلى البر الثانى من المنطقة.
الفلوكة كانت سبباً فى كثير من حوادث الغرق بمياه المصرف لأهالى المنطقة وأطفالهم، كان آخرها مصرع طفل، يبلغ من العمر 12 عاماً، منذ أقل من شهر، وحينها تعالت استغاثات وشكاوى الأهالى لإنقاذ أطفالهم الصغار من الموت المحقق يومياً، وذلك بعد بدء العام الدراسى، إلا أن الفلوكة تشهد طوابير من البشر الراغبين فى العبور للوصول إلى مجمع المدارس بالبر الثانى، رغم أنها لا تتسع سوى لـ6 أفراد.
«الوطن» رصدت المعاناة الحقيقية التى يعيشها أهالى المنطقة بالإضافة إلى ألف عامل يومياً مغتربين للمرور عبر المصرف فى قارب غير آدمى، بغرض الوصول إلى مقاصدهم، بالإضافة إلى وعد بإنشاء كوبرى منذ سنوات طويلة دون أن يتحقق حتى الآن.
«هيبة الهوارى» أحد كبار منطقة عبدالقادر الجديدة غرب الإسكندرية، قال إن عبور مصرف ترعة «النوبارية» بـ«الفلوكة» معاناة يعيشها أهالى المنطقة منذ أكثر من 35 سنة، ولم يلتفت محافظ أو نائب أو مسئول لمناشدات الأهالى، لينقذ الأطفال والنساء والشيوخ من الخطر الذى يهدد حياتهم يومياً، مؤكداً أن المنطقة لا يوجد بها أى وسيلة للمواصلات سوى القوارب الصغيرة التى تم صنعها بالجهود الذاتية من قبل أهالى المنطقة لسهولة تنقلهم «زمان كان عدد سكان المنطقة محدود، لكن بعد عمار المنطقة الخطر بيزيد».
وأضاف «هيبة» أن الطرق غير ممهدة تماماً، وهذا يزيد من معاناة الأهالى فى التنقل بداخلها، أو حتى الخروج منها، لدرجة أن «التوك توك»، يرفض دخول المنطقة بسبب الطريق المتهالك، موضحاً أن من يريد الذهاب لعمله أو قضاء احتياجاته من الأهالى لا بد أن يمتلك سيارة خاصة، أو يقوم بإيجار سيارة «لو مفيش عربية مخصوص الحال بيقف وبنتحبس جوة المنطقة».
وأكد أن الترعة تشهد حوادث غرق على مدار العام، ولكن الأزمة تتفاقم فى وقت الدراسة، لاضطرار أطفال المنطقة جميعاً للوصول إلى مدارسهم عن طريق استقلال «الفلوكة» بالمصرف «احتياجات البيت ممكن نقضّيها كل أسبوع، والدكتور ممكن زيارته كل شهر، لكن غصب عننا ولادنا هيروحوا مدارسهم كل يوم، ومايرضيش حد نوديهم للموت كل يوم بإيدينا».
وأشار إلى أنه قبل الدراسة بأسبوعين تعرض طفل للغرق وتوفى فى الحال فى الترعة أثناء عبوره للبر الثانى بـ«الفلوكة» وهذه ليست حالة الغرق الأولى التى حدثت بالترعة بسبب العبور من خلال الـ«فلوكة»، مضيفاً أن حالات الغرق تزيد فى فصل الشتاء، ولا تقتصر على الأطفال فقط، بل هناك سيدات وحوامل، وكبار سن، قد يلقون مصرعهم فى مياه الترعة أثناء عبور الفلوكة.
«كل يوم أستقبل ولادى بعد رجوعهم من المدرسة وأسألهم حد منكم ناقص؟» هكذا تحدثت نادية عبدالله، من سكان المنطقة، أم لـ4 أطفال فى مراحل عمرية مختلفة، لافتة إلى معاناتها التى تعيشها كثير من سيدات المنطقة مع أبنائهن الذين يضطرون إلى عبور المصرف عن طريق الـ«فلوكة» للوصول إلى مدرستهم، «أمهات المنطقة بيتوقعوا سماع خبر وغرق ولادهم فى أى وقت، وللأسف مفيش بديل».
وتابعت: «أنا عندى 4 أولاد منهم 2 فى الفترة الصباحية وبنت فى الفترة المسائية فى المدرسة الابتدائى، وأبسط حقوقهم إنهم يلاقوا كوبرى يقدروا يمشوا عليه ويحميهم من الموت وهما رايحين المدرسة.. الأزمة غير مقتصرة على الأطفال فقط، لو تعبت واحتجت دكتور فى نص الليل ما أقدرش أتحرك من المنطقة غير لما النهار يطلع علشان أعدى فى الـ«فلوكة» وأوصل للبر التانى وأروح المستشفى».
واستنكر محمد كامل، من محافظة كفر الدوار، أحد عمال مصنع إخوان زيتون، بجوار مصرف الترعة، صمت المسئولين على الخطر الذى يتعرض له أكثر من 700 عامل من عمال المصنع والمصانع المجاورة بالمنطقة، بسبب عبورهم المصرف عن طريق الـ«فلوكة» يومياً ذهاباً ورجوعاً.
واعترف اللواء هشام كامل، رئيس حى العامرية أول، بوصول عدة شكاوى من قبل أهالى قبلى عبدالقادر الجديدة، قائلاً: «تقدم الحى بمذكرة إلى وزارة الرى وهى المعنية بالتصرف التام فى المصارف والترع، وإقرار ما يتم تنفيذه أعلاها من كبارى أو غيرها»، وأضاف أنه فى انتظار رد وزارة الرى بقبول إنشاء كوبرى مشاة أعلى المصرف فى وسط الطريق لمساعدة الأهالى فى التنقل من البر القبلى إلى البر البحرى، مؤكداً أنه فى حالة تأخر وزارة الرى فى الاستجابة سيقوم الحى بالتنفيذ فوراً، وإنشاء كوبرى خشبى مثبت بأعمدة داخل المصرف، عرضه من 1.75 متر إلى 2 متر، حتى لا يمكن للسيارات أو الموتوسيكلات الصعود عليه، ويكون مخصصاً فقط للأهالى، وأكد تشكيل لجنة من إدارة الطرق وإدارة الأزمات لوضع خطة عاجلة لتمهيد الطريق بالمنطقة، واستكمال الخدمات للتسهيل على المواطنين.
حالة من الخوف تسيطر على قلوب العابرين لمصرف النوبارية