صحا من نومه مبكراً.. فتح دولاب ملابسه المكتظ بـ«البدلات» العسكرية والمدنية.. نظر بحسرة وأسى إلى «نياشين وأوسمة» جمعها على مدى عقود طويلة من رحلته فى الجيش.. غير أنه شعر سريعاً بالفخر لأنه اليوم فى «مهمة وطنية».. لذا انتقى «بدلة» مدنية أنيقة.. وشرب «نيسكافيه» دون سكر.. و«أطلق رشة بارفان» من زجاجة فاخرة.. «بارفان القائد العسكرى» رجولى جداً.. هكذا علّمته العسكرية..!
توجه الفريق سامى عنان، رئيس أركان الجيش المصرى السابق ،إلى المحكمة صباح أمس الأول للإدلاء بشهادة خطيرة.. شهادة «عنان» تمثل ركناً مهماً فى قضية «قتل المتظاهرين» فى ثورة يناير وما بعدها.. ولمَ لا، وهو ثانى اثنين حكما البلاد بعد تنحى «مبارك».. تسلماها «مثخنة» بالجراح.. منهكة من 60 سنة حكماً عشوائياً.. فاجتمعا وتناقشا وفكّرا.. وأجابا عن سؤال المصير: كيف ننقذ مصر الحبيبة.. مصر الجريحة.. مصر المسكينة؟!.. فكانت الإجابة طعنة هى الأقسى.. سلمها «طنطاوى وعنان» لتنظيم الإخوان.. ثم جلسا فى البيت على «كنبتين» أمريكيتين فاخرتين، وأمسكا بالريموت ليشاهدا -مثلك تماماً- ما يحدث فى مصر.. ولمصر..!
ذهب «سامى عنان» إلى المحكمة.. فأبدى ضجره من الانتظار ثلاث ساعات كاملة قبل بدء الاستماع لشهادته.. انتظر الرجل على مضض.. وانتظرته مصر على أمل.. ولكنه لم يقل شيئاً.. وكأن قدر مصر أن تظل رهينة الحسابات الخاصة والمصالح الضيقة.. ولولا احترامى للقضاء وقرار المحكمة بـ«سرية الجلسات» لأوردت لكم ما قاله «عنان» خلال ثلاث ساعات أمام القضاة.. وإذا كانت الأيام كفيلة بالكشف عن «الشهادة» يوماً ما.. فإن من حضروا الجلسة.. ومن علموا بأقواله، اكتشفوا حقيقة واحدة: شاهد ماشافش حاجة..! أو هو قرر أن يكون كذلك لحاجة فى نفس يعقوب..!
يحلم «عنان» أن يصبح رئيساً لمصر.. هو يرى أنه جدير بها.. وللحق فإنى أرى حلمه «منطقياً» فى سياقه التاريخى.. فالرجل لا يختلف كثيراً عن أشخاص حكموها.. وآخرين طرحوا أنفسهم بـ«جرأة مدهشة» لنفس المهمة.. غير أن «أحلام» القائد العسكرى تبدو دائماً «حق مستحق» حتى لو لم يحارب.. انظر إليه واقفاً وجالساً ونائماً.. ستجده يريد أن يقول لك دائماً: «أنا كائن مختلف.. انظر إلى كتفى ستجده مختلفاً.. صدرك الأيسر به قلب.. وصدرى الأيسر به قلب أيضاً.. ولكنه يتوارى خلف الأوسمة والنياشين».. ينسى القائد العسكرى أحياناً أننا نحبه حين يصبح منا.. يحمينا لأننا نشترى سلاحه من «عُصارة معدة جائعة».. يحصل على امتيازات دون حدود، لأننا نرتضى ذلك بـ«التوافق الصامت» أو «الطناش الجميل».. ثم إنه ينبغى أن يدرك دائماً أنه «خادم» الأيدى التى تضع «الرتبة» على كتفه، وتعلق «الأوسمة والنياشين» على صدره.. والأيدى هى أيدى الشعب.. فلماذا ظهر «عنان» شاهداً ماشافش حاجة فى قضية تهم كل الشعب؟!
يحلم «عنان» أن يصبح رئيساً لمصر.. ولمَ لا وهو نتاج السيكولوجية العسكرية التى لا يفلت منها إلا مَن رحم ربى.. سيكولوجية «السيادة» التى فتنت وأوهمت، فقضت على قادة عسكريين كثيرين سبقوه فى مصر وغيرها.. إلا أن حلم «عنان» هو الأول من نوعه.. إذ يراهن الرجل على أصوات تيار الإسلام السياسى بأطيافه وتنويعاته المختلفة: إخوان.. سلفيين.. جماعات.. إلخ.. وهى «طبخة» جديدة فى رهانات العسكريين للوصول إلى السلطة.. لذا كان منطقياً أن «يناور» الرجل فى شهادته، حتى لا يخسر هذا التيار.. وإلا كيف نصدق أن «ثانى اثنين» كانا يحكمان مصر فى عز الأحداث والجرائم التى تنظرها المحكمة لا يعرف شيئاً عما جرى..؟!
شخصياً.. لم تدهشنى «شهادة عنان» ولا «شهادة طنطاوى» التى سبقتها بيوم واحد.. غير أن شهادة «طنطاوى» تختلف فى دوافعها عن «شهادة عنان».. فالأول يبدو وكأنه يؤثر السلامة، ويحلم بحُسن الخاتمة.. أما الثانى فيحلم بـ«رئاسة مصر».. والمفارقة التى تدهشنى إلى حد الذهول: كيف يحلم «عنان» برئاسة البلاد دون أن يجيب عن سؤال بسيط للغاية: ماذا فعلت بها وأنت تحكمها عاماً ونصف العام فى أوضاع كانت أفضل كثيراً من المحنة الحالية؟!
سؤال لن يجيب عنه «عنان».. لأنه قطعاً ينظر لنا من فوق «كتفيه».. ومن خلف «أوسمته ونياشينه»..!