أوجاع «عمال الطوب الأحمر»: الفصل مكافأة نهاية العمل.. والمصاب «بيتعالج على حسابه»
مخاطر كثيرة يتعرض لها العمال
غبار كثيف متطاير من سرعة الجرارات الصغيرة التى تقوم بنقل الطوب إلى مفارش النشر، ليحجب عن العين الرؤية فى بعض الأوقات، وملابس العمال متسخة ببقع من الطين، منهم من يلبس قفازاً ومنهم من يترك يديه عاريتين، معظمهم يرتدون فوق رؤوسهم قبعات صغيرة للاحتماء من الشمس.. هنا عمال مصانع الطوب «الطفلى» الذين تدهورت أحوالهم فى الفترة الأخيرة بعد ارتفاع الأسعار وتراجع المبيعات.. هنا الصبى والعجوز يعملان من أجل «قوت يومهم» ليحصلا على 800 جنيه خلال الشهر الواحد.. هنا الصغار قبل الكبار يعانون من الإهمال وعدم وجود مستشفيات.. هنا الجميع يعمل يداً بيد سعياً وراء «لقمة العيش» رغم علمهم أن لا تأمينات لهم، لكنهم يستمرون أملاً فى تحسن الحال.
بالقرب من مخرج ماكينة خط الإنتاج وقف رمضان هلول، 28 عاماً، يستقبل هو وزملاؤه الطوب بعد تقطيعه من الماكينة، ليضعه فى العربات الحديدية، لكل منهم مهمته، فثلاثة يضعون الطوب ورابع يقف ليضع الرمل ليفصل بين كل طبقة وأخرى لعدم تلاصق الطوب الأخضر مع بعضه، وخامسهم يرمى مخلفات الماكينة فى عائد خط الإنتاج، يقول: «تعبنا ومش عارفين نوّصل صوتنا لحد، لو الحكومة بتهتم بينا كانوا عملوا لنا حاجة».
«رمضان»: مش عارفين نوصل صوتنا لحد.. ولو شافونى مش شغال هيطردونى
لم يكن يعلم «رمضان» ابن قرية الرقة، بمركز العياط، أن تعلمه تلك المهنة سيكون سبباً فى تدهور حاله وعدم القدرة على تلبية احتياجات منزله، خاصة أنهم يعملون باليومية وعلى حسب الإنتاج: «بنعمل 250 ألف طوبة فى اليوم، وبنشتغل يومين بس»، ويخشى كل منهم الطرد من صاحب العمل: «لازم أشتغل.. لو شافنى مش شغال هيقولى ما تجيش تانى، هو كده كده شغلى مش هيفرق معاه علشان هو بقى بيخسر كتير».
وعلى أحد الحوائط التى ينشرون عليها الطوب يمسك «أحمد رمضان»، دبلوم تجارة، خيطاً فى يده ويرتفع صوته تجاه شخص يمسك طرف الخيط من الجانب الآخر: «تعال يمين شوية»، حتى يستطيع ضبط الخيوط لتستقيم الحوائط التى يتم رصف الطوب بها، حتى تنشف قبل دخولها الفرن: «الشغل كان أرخص وكنا بننتج مليون طوبة، وكان العامل بياخد 700 أو800 جنيه فى الأسبوع، عشان كنا بنشتغل 5 أيام مش اتنين بس».
ويتحدث الشاب العشرينى عن عدد ساعات العمل داخل المصنع: «بنشتغل 12 ساعة، عمالة وعتالة زى ما بيقولوا، عشان الشغل السبت والأحد بس»، مشيراً إلى أن عمال الإنتاج ينتجون أزيد من الكمية المطلوبة بـ100 طوبة بسبب المتهالك، الذى لا يصلح للاستخدام مرة أخرى: «لو محتاجين مليون طوبة ننتج إحنا مليون و100»، فضلاً عن إصابة الكثير منهم بسبب العمل دون تعويض أو مساعدة: «لو حد اتصاب صاحب المصنع مالوش دعوة».
«عيد»: يوميتى مابتزيدش عن 120 جنيه واللى بيكبر فينا بيقعد فى البيت.. ويستنى عياله يصرفوا عليه
أما عيد عبدربه، 32 عاماً، يقول بغضب: «ولا لينا تعويضات ولا أى حاجة، واللى بيكبر فينا فى السن بيروح يقعد فى البيت لو معندوش أرض، وبيستنى عياله اللى عايزين يتجوزوا يصرفوا عليه»، فيما لفت إلى أنه عجز عن شراء لبس لأبنائه الصغار الذين يدرسون بالمرحلة الابتدائية، وقام بالتقديم لواحد فقط منهم: «مش هقدر أتحمل مصاريف الاتنين، فقلت واحد السنادى والتانى السنة الجاية».
يستكمل «عيد» حديثه بعد أن أعلن استياءه مما يحدث معهم: «لو حصلت لى حاجة دلوقت، محدش هيسأل فيّا وهقعد فى البيت، لا تعويض ولا تأمين، ومحدش عارف عيالى ممكن يحصل ليهم إيه»، رغم 24 عاماً من العمل داخل مصانع الطوب متنقلاً منذ صغره بين ذا وذاك، لم يستطع «عيد» الحصول على مهنة بديلة: «دورت كتير لحد ما تعبت، ومفيش شغل عشان أشتغل حاجة تانية»، يتابع: «العيشة كلها فلوس، احنا عايزين نرتاح، عشان معظمنا واخدين دبلومات أمال اتعلمنا ليه؟».
«بدوى»: أبويا بيرفع على ضهره 60 طوبة فى المرة عشان يصرف علينا
وجلس الطفل «بدوى أحمد»، 14 عاماً، من قرية جرزة، بمركز العياط، يستريح برأسه على جدران الفرن، بعد أن قام برفع الطوب على ظهره، لمساعدة والده: «اليوم اللى مفيش فيه مدرسة باجى معاه، ولو جيت متأخر ولقيته مشى علشان يحمل العربيات بقعد أذاكر»، موضحاً أنه يتمنى أن ينظر إليهم بعين الرحمة من قبل المسئولين ومساعدة والده فى الحصول على وظيفة ثابتة: «أبويا كبر خلاص ومبقاش حمل الشغل ده، علشان كله تعب، بيرفع على ضهره 60 طوبة علشان يصرف علينا».