هل حقاً لدينا معارضة مصرية وطنية تقف على الطرف الآخر من النهر تحمل أفكاراً مغايرة وتملك كوادر قادرة على إدارة ما يريدون وما يحلمون؟ هل ظهر نفر من هؤلاء الأشخاص الذين تخلصوا من الهوى وعبادة الذات وتحصنوا بالتجرد والتعقل وآمنوا بالتنوع والاختلاف؟ هل ما نراه اليوم ورأيناه بالأمس من هؤلاء الذين يختبئون وراء عبارات فضفاضة حول الحق والخير والجمال ولا يقصدون من ورائها إلا دغدغة مشاعر الجماهير كذباً وزوراً وبهتاناً فهل يمكن أن نطلق على هؤلاء معارضين؟ ويلح علىّ تساؤل آخر: هل المعارض يولد معارضاً أم أنه يكتسب هذه الصفة مع أول طلب ترفضه له السلطة؟ وبالمرة أسأل علماء الأحياء ودون سخرية: هل المعارض يلد أم يبيض؟ وفى نفس السياق أسأل النحاة واللغويين هل المعارضة «نعت» أم «حال»، فاعل أم نائب، مفعول به أم معه أم لأجله أم مطلق؟، أهو خبر أم مبتدأ؟ بيد أننى أعرف بكل ثقة وموضوعية وتجرد أن مصر لا يوجد بها من بين أبنائها معارضون من الأساس فما بالنا إذا تحدثنا عن الشرف والنبل الإنسانى والتجرد الأخلاقى والوعى السياسى؟ إننى تقابلت مع غالبية هؤلاء المعارضين وتيقنت أنهم مزيفون ما فى ذلك تجنٍ أو مبالغة، لكن سؤال آخر يلح علىّ: لماذا يصل هؤلاء دائماً إلى نقطة اللاعودة مع الدولة؟
الحقيقة التى لا يمكن أن ينكرها أحدهم أن الدولة ترفض كل محاولات الابتزاز ولا تقبل بأى ضغوط مهما كانت النتائج والتداعيات، فهيبة الدولة أمر غير قابل للمساس، فعندما يكون صاحبنا طامعاً فى منصب بعينه وترفضه الدولة نجده وقد انتقل إلى الطرف الآخر من النهر فى مشهد متكرر مع كثيرين، سأترك للقارئ استعراض كل الأسماء اسماً اسماً والتى تطرح نفسها على أنها معارضة تلتحف الحق وتفترش الحقيقة، سيرى قطعاً العجب العجاب، ويمكن تصنيف هؤلاء إلى نماذج:
الأول: نهاية طرفية لجهة أو جماعة أو جهاز استخباراتى.
الثانى: يعمل بالقطعة بحثاً عن تمويل تحت مظلة منظمات المجتمع المدنى.
الثالث: كان طامعاً فى منصب لم يأتِه لسبب أو لآخر.
الرابع: يحمل فى قلبه مرض كراهية النجاح للآخرين، فكلما وجد نجاحاً ازداد نباحاً.
الخامس: مشتاق للسلطة وبه لوعة لا تداويها إلا كلمات جوفاء خالية من كل المضامين.
السادس: موضة وبرستيج وشكل من أشكال الوجاهة بين أصحابه ومريديه، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعى بحثاً عن لايك وشير.
السابع: عقد نفسية موروثة أو مكتسبة تدفع صاحبها إلى الوقوف فى مربع الرفض الدائم لأى شىء وكل شىء.
الثامن: الإنسان عدو ما يجهل، فهؤلاء لا يعرفون ولا يقرأون فيعارضون لجهلهم.
تلك النماذج الثمانية موجودة بيننا ونعرفها شخصاً شخصاً لكننا نضعهم جميعهم فى سلة واحدة غالباً هى سلة المهملات، لكن هذا خطأ فلكل نموذج سلة مهملات خاصة به تلائمه وتتناسب مع مكوناته.
لكن السؤال الجاد الذى أطرحه على نفسى.. هل المعارضة رجس من عمل الشيطان وكلها حرام قولاً واحداً؟
بالطبع لا يمكن أن يجتمع الناس على رأى أو مبدأ أو شخص أو نموذج واحد، فالتنوع سمة مرتبطة ببنى البشر والاختلاف بين الناس فضيلة فكرية وعقلية وإنسانية.
لذلك أفكر جلياً وملياً فأجد نفسى أميل إلى ضرورة البحث عن حاملى الأفكار والرؤى المغايرة التى تمثل إضافة حقيقية
وثراء حقيقياً للعمل العام.
لكن أين يوجد هؤلاء؟ وكيف نصل إليهم؟ وما الآلية التى يمكن أن تكون إطاراً ينظم انخراط هؤلاء ومشاركتهم الفعالة فى كل ما هو قائم؟
بيد أن الملف يحتاج إلى دراسة واهتمام لكن بهدوء ودون ضجيج.