بصمت شديد، هدأت العركة التى أعلنتها روما على باريس فى الأسابيع القليلة الماضية، ومن قبيل التصعيد، قام نائب رئيس الحكومة الإيطالى بلقاء رموز من جماعة السترات الصفراء فى باريس، واشتعلت نيران المعركة بعضاً من الوقت، لكن للحق، لا بد أن نعترف بأن فرنسا لم تسعَ نحو التصعيد، ربما ﻷنها وسّطت الاتحاد اﻷوروبى، الذى نصح بعدم الرد على اتهامات إيطاليا.
وكنت أندهش لوقوع هذه المعركة مع فرنسا وإيطاليا بين دولتين عضوتين فى الاتحاد اﻷوروبى، ووقع فى روعى قديماً أن المعارك، وربما الملاسنات، من نصيب دولنا العربية والتدخلات التى قد تسكب الزيت على النار، ليس لتهدئة اﻷوضاع كما حدث مع فرنسا وإيطاليا وإنما لإشعالها.
وللإنصاف، كانت أوروبا، وربما أمريكا، قد رفعت شعار أن من يتعامل مع إحدى السيارات اﻷمريكية لا يمكن أن يتعارك، وعلى أى حال هذا ما حدث عندما هدأت الأوضاع بين باريس وروما فجأة.
والحق أن لهاتين الدولتين اﻷوروبيتين أصل يعود إلى رغبة كل دولة فى أن تستحوذ على النفط الليبى، فإيطاليا تعتبر نفسها صاحبة الحق فى أن تفرض وصايتها على ليبيا، باعتبار أنها كانت الدولة المستَعمِرة لليبيا قديماً، أما فرنسا فمنذ عهد ساركوزى ولعابها يسيل من أجل السيطرة على النفط الليبى.
وأياً كان اﻷمر، فقد وجّه نائب رئيس الحكومة الإيطالى مجموعة من الاتهامات، بدأها بالقول إن الرئيس ماكرون أسوأ رئيس لفرنسا، وإن بلاد الفرنجة أصبحت خامس اقتصاد على مستوى العالم بسبب سيطرتها على بعض الدول الأفريقية، ونهب ثرواتها، وكان اﻷجدر أن تصبح الرقم الخامس عشر على مستوى العالم اقتصادياً.
وأضاف أن نهب فرنسا للمواد اﻷولية باسم الانتداب معروف، ولا يحتاج إلى دليل.
الغريب أن فرنسا لم تحاول أن ترد على هذه الاتهامات، واتّخذت موقف (ودن من طين وأخرى من عجين!).
والحق أن الخلاف بين روما وباريس قد هدأ، لكن روما لا يزال فى جعبتها الكثير من الاتهامات، وتشعر بالغيرة أن فرنسا دولة كبيرة فى الاتحاد اﻷوروبى مع ألمانيا، وتنظران إلى إيطاليا وإسبانيا على أنهما من الدول المتوسطة، من حيث القوة والتأثير.
والحق أنه لولا تدخل الاتحاد اﻷوروبى بغرفتيه (مجلس أوروبا والبرلمان اﻷوروبى) فى ستراسبورج، لظلت نيران الحرب مشتعلة، وربما قد تصل إلى المواجهات العسكرية.
ثم جاء حرق نوتردام فى باريس فأخر المواجهة وشغل الحكومة الفرنسية لبعض الوقت، فانتهت تماماً، أو كادت ذيول هذا الخلاف، الذى كان يهدّد بعودة الأجواء العدائية للحرب الثانية.
اشتعل الخلاف بين فرنسا وإيطاليا ثم هدأت نيرانه، بينما الخلافات العربية العربية لا تزال مشتعلة، ولم تتحرك جامعة الدول العربية، كما تحرك الاتحاد اﻷوروبى، وهذا هو السؤال الذى يملأ الفم بالمرارة.