كانت البداية على يد أبومصعب الزرقاوى أو «أحمد فاضل نزال الخلايلة» الأردنى الجنسية، الذى سافر إلى أفغانستان عام 1989 والتقى هناك أسامة بن لادن، ثم عاد بعدها إلى الأردن وتم اعتقاله عام 1990 وقضى ست سنوات فى السجن، ثم عاد بعدها مرة أخرى إلى بيشاور بالقرب من الحدود مع أفغانستان.
بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، استطاع «الزرقاوى» أن يؤسس مع آخرين تنظيم «التوجيه والجهاد» على الأرض العراقية، وبعد أن بايع التنظيم أسامة بن لادن عام 2004 تولى «الزرقاوى» قيادة تنظيم «قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين».
وفى عام 2006، بثت مواقع التوصل الاجتماعى شريطاً مصوراً لـ«الزرقاوى» يعلن فيه عن تشكيل «مجلس شورى المجاهدين» بزعامة عبدالله رشيد البغدادى.
كانت بدايات الإعلان عن تأسيس التنظيم قد جرت فى 15 أكتوبر عام 2006، وذلك فى أعقاب اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن ما أطلق عليه فى هذا الوقت معاهدة حلف «المطيبين»، وتم اختيار أبوعمر البغدادى زعيماً لها.
كان هذا الحلف قد تأسس بقرار من «مجلس شورى المجاهدين فى العراق»، وإلى جواره مجموعات أخرى من التنظيمات السلفية المسلحة، من بينها: جيش الفاتحين وجند الصحابة وكتائب أنصار التوحيد والسنة، وقد جاء تأسيس هذا الحلف على خلفية رفض تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين اختيار أبوحمزة المهاجر خليفة لأبومصعب الزرقاوى الذى قُتل على يد القوات الأمريكية وعناصر حكومية فى العراق؛ حيث طالب أبوأسامة العراقى، أحد قادة تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، أسامة بن لادن بضرورة خلع أبوحمزة المهاجر من قيادة التنظيم فى العراق بسبب سقطاته المتعددة التى أضرت بالتنظيم وصورته.
وفى عام 2007، شهدت العلاقة بين التنظيمات الإرهابية المتطرفة فى العراق مزيداً من التماسك والتوحد؛ إذ أعلن أبوحمزة المهاجر، زعيم تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، عن مبايعته لعمر البغدادى ليحدث بذلك اندماج كامل بين تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين مع الدولة الإسلامية تحت اسم «الدولة الإسلامية فى العراق».
وقد استطاع عمر البغدادى أن يعيد بناء قواعد التنظيم وأن ينشر دعوته فى العديد من مناطق العراق المختلفة، وقد ارتكب فى هذا الوقت مجازر إرهابية بشعة ضد معارضيه وضد نخب وفئات عديدة من المجتمع العراقى.
وفى يوم الاثنين 19 أبريل 2010، حددت القوات الأمريكية المكان الذى كان يختبئ فيه عمر البغدادى ومعه أبوحمزة المهاجر فقامت بشن عملية مشتركة مع القوات العراقية أسفرت عن قصف المنزل الذى كانا يختبئان بداخله فى منطقة «الثرثار» بعد اشتباكات عنيفة جرت بين الجانبين.
وبعد مقتل عمر البغدادى ومعه أبوحمزة المهاجر، تم عرض جثتيمها على وسائل الإعلام، ما اضطر التنظيم إلى الاعتراف بمقتلهما بعد نحو أسبوع من الإعلان.
بعدها، تم توجيه الدعوة على الفور إلى مجلس شورى الدولة لانتخاب قيادة جديدة؛ حيث تم انتخاب أبوبكر البغدادى خليفة له والناصر لدين الله سليمان وزيراً للحرب، وذلك فى 16 مايو 2010.
كان أبوبكر البغدادى، واسمه الحقيقى إبراهيم عواد إبراهيم عبدالمؤمن على البدرى (أبو دعاء)، وقبيل أن يلتحق بالتنظيمات الإرهابية، يعمل إماماً لمسجد أحمد بن حنبل فى سامراء، كما أنه عمل لفترة من الوقت إماماً وخطيباً لمسجد الكبيسى فى بغداد، ثم انتقل إلى الفلوجة ليعمل خطيباً فى أحد مساجدها عام 2003، فى الوقت الذى كان يعمل فيه أستاذاً جامعياً فى جامعة تكريت تخصص «العلوم الإسلامية».
وفى الرابع من يناير 2004، قامت قوات التحالف «الأمريكية - البريطانية» باعتقاله، وبعد أن أطلق سراحه عام 2006، قام بتأسيس جيش «أهل السنة»، ثم أصبح عضواً بعدها فى مجلس الشورى (دولة العراق الإسلامية) بعد أن أعلن عن قيامها فى الخامس عشر من أكتوبر عام 2006 بقيادة عمر البغدادى.
كانت مهمة أبوبكر البغدادى قبل أن يتولى موقعه الجديد هى تسهيل انضمام العناصر الإرهابية المتطرفة إلى التنظيم، خاصة تلك المنتمية إلى سوريا والمملكة العربية السعودية.
وكان «البغدادى» يتولى بنفسه الإشراف على عمليات خطف الأفراد والمجموعات المخالفة لأفكار التنظيم، وكان يخضعهم للمحاكمة أمام «المحكمة الإسلامية» أو «المحكمة الشرعية» التى كانت فى أغلب الأحيان تصدر أحكامها بالإعدام فيأمر «البغدادى» بتنفيذها علناً لبث الخوف بين المواطنين.
وبعد أن سطع نجمه فى عام 2010 وقام بعمليات إرهابية كان لها تأثيرها الكبير على الأرض فى العراق، لفت الأنظار وشكّل خطراً كبيراً على الجميع فى العراق، مما اضطر واشنطن إلى الإعلان عن تخصيص جائزة قيمتها عشرة ملايين دولار لمن يقتل أو يلقى القبض على أبوبكر البغدادى باعتباره واحداً من أخطر العناصر الإرهابية فى العالم.
كانت الأزمة الأخطر التى واجهت أبوبكر البغدادى هى أزمته مع أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، ومحمد الجولانى، زعيم جبهة النصرة فى سوريا، فى أعقاب الإعلان عن قيام «الدولة الإسلامية بالعراق والشام» (داعش).
كان طبيعياً، والحال كذلك، أن يصدر أيمن الظواهرى بياناً أذاعته قناة الجزيرة فى 8 نوفمبر 2013 دعا فيه إلى إلغاء «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش) وأكد فيه أن «جبهة النصرة فى بلاد الشام» هى فرع التنظيم فى سوريا.
وقد تضمن التسجيل الصوتى لأيمن الظواهرى قوله: «تلغى دولة العراق والشام الإسلامية ويستمر العمل باسم دول العراق الإسلامية». وقال: «إن جبهة النصرة لأهل الشام فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد تتبع القيادة العامة».
وقال «الظواهرى»: «إن الولاية المكانية لدولة العراق الإسلامية هى العراق، والولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هى سوريا».
وقال «الظواهرى» فى تحدٍّ واضح: «أخطأ الشيخ أبوبكر البغدادى الحسينى بإعلان دولة العراق والشام الإسلامية دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا، بل ودون إخطارنا، وأخطأ الشيخ محمد الجولانى بإعلانه رفض دولة العراق والشام الإسلامية وإظهار علاقته بالقاعدة دون أن يستأمرنا أو أن يستشيرنا بل ودون إخطارنا».
لقد أراد «الظواهرى» من وراء رسالته تحريض قواعد التنظيم ضد أبوبكر البغدادى، وهو أمر ترك آثاراً سلبية لدى «البغدادى» وقيادات «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، ما دفعه إلى الرد على بيان «الظواهرى» فى اليوم نفسه، الثامن من نوفمبر 2013.
لقد قال أبوبكر البغدادى، فى بيانه، متحدياً «الظواهرى»: «الدولة الإسلامية فى العراق والشام باقية ولن نساوم عليها أو نتنازل عنها».
كانت الرسالة واضحة ومختصرة ومحددة، وكان ذلك يعنى نقلاً للصراع مع «القاعدة» ومع تنظيم النصرة إلى العلن، خاصة أن «البغدادى» سبق أن أعلن، فى رسالة صوتية بُثت فى أبريل من نفس العام، أن «جبهة النصرة هى امتداد لدولة العراق الإسلامية وجزء منها، معلناً إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)».
وقال «البغدادى» وقتها إنه «استشار أهل الحل والعقد فى دمج التنظيمين وإنهم باركوا هذه الخطوة»، إلا أن محمد الجولانى، زعيم تنظيم النصرة، كذب «البغدادى» وقال: «إنه لم يستشر فى هذا الأمر، بل إن كبار علماء النصرة لم يبلغوا خبر الدمج إلا عبر وسائل الإعلام».
كان طبيعياً أن ينعكس الصراع الحاد على قواعد التنظيم فى سوريا تحديداً، ما أحدث انقساماً بين مقاتلى الجبهة على الأرض السورية، وزاد من حدة الانقسام إعلان الجولانى تجديد بيعته للظواهرى، معتبراً أن بيعته السابقة لـ«البغدادى» كانت بصفته ممثلاً للظواهرى فى العراق.
لم يكن موقف «الظواهرى» أو «الجولانى» جديداً؛ لقد سبق أن قاما برفض إقامة «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» منذ إعلانها فى أبريل 2013، ما دفع «البغدادى»، فى رسالة صوتية بثت فى مايو 2013، إلى اتهام «الظواهرى» بارتكاب مخالفات شرعية، قائلاً فى تسجيل صوتى تم بثه: «إنى خُيرت بين حكم ربى وحكم الظواهرى فاخترت حكم ربى». كان محمد الجولانى، قائد تنظيم النصرة، هو أحد القادة الميدانيين فى العراق، وقد تولى لفترة من الوقت إمارة الموصل، وقد كلفه أبوبكر البغدادى بالذهاب إلى ميدان القتال فى سوريا وتأسيس جبهة النصرة، إلا أن «الجولانى» رفض مبدأ الوحدة مع «الدولة الإسلامية فى العراق» وأعلن ولاءه لأيمن الظواهرى وتنظيم القاعدة.
وقد تسبب رفض «الجولانى» إقامة «الدولة الإسلامية بالعراق والشام» فى إثارة غضب أبوبكر البغدادى، الذى تعهد بتفكيك «جبهة النصرة» ومعاقبة محمد الجولانى.
وفى يونيو 2013، بثت مواقع التواصل الاجتماعى تسجيلاً صوتياً لأيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، طالب فيه الطرفين بأن يعمل كل تنظيم فى مقر نشأته وأن يتوقف الخلاف الناشب بين التنظيمين فى العراق وسوريا.
رفض أبوبكر البغدادى الانصياع لنصيحة «الظواهرى» وقرر تعزيز وجود «داعش» فى سوريا، فبدأت «داعش» السورية فى توجيه حربها ضد جبهة النصرة أولاً، ثم ضد بقية فصائل المعارضة ثانياً، ما أثار قائد جبهة النصرة، محمد الجولانى، الذى وصف ما تقوم به «داعش» على الأرض السورية بأنها أفعال إجرامية وكافرة، ما دفع «داعش» إلى الرد على لسان الناطق باسمها «بسحق كل من يختلف معها» وعرضت جائزة مالية لكل من «يقطع رأس مقاتل من جبهة النصرة».
ومع تزايد الخلافات بين التنظيمين، دعا أيمن الظواهرى، فى يناير 2014، إلى إقامة مجلس لحل الخلافات، استناداً إلى مبادئ الشريعة والفقه الإسلامى لتوحيد جهود الحرب ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد، إلا أن أبوبكر البغدادى رفض دعوة «الظواهرى» وأصر على المضى فى طريق إقامة «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» التى عارضها «الظواهرى» و«الجولانى»، وطلبا تأجيل البت فى هذا القرار إلى ما بعد سقوط نظام «الأسد».
لقد أصدرت القيادة العامة لتنظيم القاعدة فى فبراير 2014 بياناً نفت فيه أى علاقة لها بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) وأعلنت فى بيان موقع باسم «جماعة قاعدة الجهاد» أنه لا صلة لها بتنظيم داعش، بل أمرت بوقف العمل معه.
وقالت قيادة «القاعدة»، فى بيان نقلته مؤسسة «سايت»: إن التنظيم ليس فرعاً من «القاعدة» ولا تربطه بها علاقة تنظيمية، وإن التنظيم قطع علاقته مع «داعش»، عقب عصيانه للأوامر الصادرة من زعيم التنظيم أيمن الظواهرى.
■ ■
فى العاشر من يونيو 2014، فوجئ الرأى العام فى الداخل والخارج بالانتصارات «الصادمة» التى حققها تنظيم «داعش» على الأرض العراقية؛ ففى ساعات محدودة سقطت محافظة نينوى، ثانية كبريات المحافظات العراقية؛ حيث اجتاحت قوات «داعش» والقوى المتحالفة معها أرض المحافظة بعد أن طوّقتها من اتجاهات محددة، ولم يكن من خيار أمام قوات الجيش والأمن العراقية إلا الهروب من ميدان المعركة وترك أسلحتهم الثقيلة لتسقط فى أيدى المقاتلين ذوى البأس الشديد، المدربين تدريباً جيداً على فنون الحرب المختلفة.
وتقع محافظة نينوى، وعاصمتها الموصل، على بعد 350 كيلومتراً إلى الشمال من بغداد؛ حيث تعد من المحافظات ذات المذهب السنى ويبلغ تعداد سكانها نحو 3٫5 مليون مواطن.
كانت البداية تحركاً مفاجئاً لقوات مجهولة الهوية من المسلحين الذين ينتمون إلى العشائر السنية وما يسمى جيش «النقشبندية» وضباط وجنود ينتمون إلى الجيش العراقى السابق الذى تم حله فى أعقاب الاحتلال الأمريكى البريطانى للعراق عام 2003، بالإضافة إلى جنود «داعش» وبعض التنظيمات السلفية الأخرى.
وبسرعة البرق، سقطت محافظة نينوى فى أيدى المسلحين الذين قدموا من الشمال؛ حيث اقتحموا مقر عمليات الأنبار ونينوى للعمليات العسكرية واستولوا على المبانى وحى الطيران، الذى يعتبر مربعاً أمنياً محصناً فى مدينة الموصل، ويضم منازل العديد من كبار ضباط الجيش العراقى، كما نجح المسلحون فى اقتحام سجن بادوش؛ حيث فتحوا الأبواب لتهريب ما يقارب الثلاثة آلاف من المسجونين السياسيين والجنائيين على السواء.
كانت ساعة الصفر هى يوم الجمعة، العاشر من يونيو 2014، وكان المهاجمون يمتلكون خرائط ومعلومات دقيقة حول مواقع الجيش وعناصر الشرطة العراقية فى أنحاء المحافظة، وقد نجحوا فى مفاجأة القوات التى لم تجد أمامها من خيار إلا الهروب السريع وترك الساحة كاملة للمهاجمين.
وكان فى مقدمة الهاربين قائد عمليات نينوى، الفريق مهدى العزاوى، والفريق أول على غيدان، قائد القوة البرية، اللذان تمكنا من الهرب إلى بغداد عبر المروحيات، وتبعهما فى ذلك آلاف الضباط والجنود الذين راحوا يهيمون على وجوههم بعيداً عن ميدان القتال.
وخلال أيام قليلة، كانت القوات المهاجمة، التى يتصدرها تنظيم «داعش»، قد تمكنت من احتلال العديد من المحافظات والمناطق التى امتدت، فى فترة لا تزيد على الشهر، من بغداد إلى ضواحى دمشق ومن الحدود الأردنية إلى الحدود التركية.
كان الأمر غريباً ومثيراً للدهشة، بيانات الحكومة العراقية أكدت أن من قاموا بكل هذه الهجمات واحتلوا المدن والمحافظات ينتمون فقط إلى تنظيم «داعش» بينما الحقيقة كانت تقول إن «داعش» الذى لا يزيد عدد أعضائه على سبعة آلاف عضو ليس سوى فصيل من فصائل أخرى متعددة، اتفقت جميعها على إسقاط حكومة «المالكى» والسيطرة على المناطق السنية فى العراق كبداية للانطلاق باتجاه المنطقة بأسرها.
وقد نجحت الفصائل المسلحة بعد يوم واحد فقط فى أن تصل بقواتها العسكرية إلى بلدة «العظيم» ومن بعدها «الضلوعية» على مشارف بغداد الشمالية؛ حيث وجدت ترحيباً من أهالى البلدتين، خاصة أنهما من أبرز بؤر التمرد السنى منذ الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003، كما أن الضلوعية تضم المئات من ضباط الجيش العراقى السابق والمنتمين لحزب البعث الذى تم حله مع إسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، وكان من بين القوى التى زحفت مع «داعش» جيش المجاهدين، وهو تنظيم سلفى، له دور كبير فى مقاومة الاحتلال الأمريكى وجيش رجال الطريقة «النقشبندية» وهو تنظيم صوفى يقوده عزة إبراهيم الدورى، نائب الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، وأيضاً تنظيم أنصار السنة، وهو تنظيم متشدد له تاريخ طويل فى العراق، وكان يشاركهم أيضاً ضباط سابقون فى الجيش العراقى لهم وجودهم الكبير فى مدينة «الموصل» وغيرها.
كانت الخطة التى تم الاتفاق عليها تقضى بالتحرك من قرى عشائرية جنوب الموصل ومن بينها: الحديديين والبدران؛ حيث تتواصل هذه القرى بمنطقة الجزيرة التى ترتبط جغرافياً بالأنبار، مما كان له بالغ الأثر فى دعم المهاجمين وتأمين دخولهم واستيلائهم على معسكرات الجيش العراقى.
كانت الخطة تقضى بعدم الدخول فى معارك مع السكان وتجنب الصدام بالقرى والأحياء غير السنية فى الموصل، وكذلك الحال بالنسبة للمناطق الكردية والمسيحية؛ حيث بقيت أحياء الحمرانية والقوش وبعشيقة وغيرها تحت سيطرة البشمركة الأكراد.
كانت وجهة القوات المهاجمة محددة، بدأ الهجوم على الجانب الأيمن من الموصل بنحو 2500 مقاتل ينتمون إلى جميع الفصائل المنضوية بما فيهم «داعش»، نجحت القوات المهاجمة فى إسقاط مقر الشرطة الاتحادية، المعروف بممارساته القمعية والطائفية ضد السكان، خاصة «السنة» منهم، ثم تلا سقوط الفرقتين العسكريتين للجيش العراقى وحدوث انهيار وفرار كبير إلى خارج المحافظة، تاركين أسلحتهم الثقيلة من الدبابات والمدرعات ومنظومة الصواريخ المضادة للطائرات.
لقد استقبل سكان الموصل القوات المهاجمة بترحيب حذر، وهو أمر كان متوقعاً؛ حيث رأى السكان ذوو الأغلبية السنية أن هذه القوات ربما تحميهم من الممارسات الطائفية والقمعية التى مورست ضدهم من حكومة «المالكى» وميليشياته على وجه التحديد.
لقد اختصر محافظ الموصل، أثيل النجيفى، المشهد فى حديث تليفزيونى أذاعته قناة «البغدادية» بالقول: «إن الناس فى الموصل تفر إلى من ينقذها، عندما يقع الظلم من القوات الأمنية». وقال: «لقد قلت للفريق على غيدان، قائد القوات الحكومية: إنكم تخسرون الناس بممارساتكم؛ فداعش لا يمكن أن تعيش بجو ليس إيجابياً لها».
وقال: «إن داعش تصرّفت بكياسة مع المواطنين بالموصل أكثر من القوات الأمنية الحكومية». وأضاف أن «هناك عدداً من الفصائل المقاتلة تشترك مع داعش، وأن السكان المحليين ينظمون لجان حماية بالتنسيق مع الفصائل المسلحة».
أما السياسى العراقى أحمد العبيدى، منسق اللقاء العربى - التركمانى، فقد نسبت إليه صحيفة «القدس» اللندنية القول: «الأمر الجيد أن مقاتلى الدولة لم يقوموا بأى ممارسات متشددة، المسلحون هم أقاربنا ومن عشائرنا بالنهاية، ومعظم المقاتلين فى قرانا من أبناء منطقتنا وجرى تنسيق جيد بينهم وبين (داعش)»!!
كانت «داعش العراق» قد تعلمت الدرس على مدار السنوات الماضية، خاصة بعد الممارسات القمعية والبشعة التى قامت بها فى السابق وقام بها تنظيم النصرة فى سوريا وأدت إلى نفور الجماهير من ممارسات «داعش» و«النصرة».
وكان أيضاً للممارسات الطائفية والقمعية التى قامت بها بعض الميليشيات الشيعية على أرض العراق خلال السنوات التى تلت الاحتلال الأمريكى للعراق فى عام 2003 الدور الأهم فى التقارب الذى حدث بين عشائر السنة وبين تنظيم داعش.
كانت عمليات القتل والذبح التى قامت بها ميليشيات «المالكى» على مدار السنوات الماضية تحديداً هى كلمة السر التى وحّدت الجميع مع «داعش» رغم الإرث التاريخى فى الصراع بين العشائر السنية وتنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، الذى كان يتزعمه أبومصعب الزرقاوى، الذى لقى حتفه عام 2006.
لقد سعت «داعش»، منذ بدء الهجمات فى العاشر من يونيو، إلى طمأنة المواطنين؛ حيث وزعت العديد من المنشورات التى أكدت فيها أنها لن تتدخل فى حياتهم الخاصة، وأنها جاءت مع الفصائل الأخرى لإنقاذهم من ظلم قوات وميليشيات نورى المالكى وحلفائه، وهو الأمر الذى دفع الكثير إلى الاصطفاف التنظيمى لأهل السنة للمرة الأولى بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والاجتماعية.
وهكذا، بعد يوم واحد من سقوط الموصل، كان الموظفون الحكوميون يعودون إلى أعمالهم ووظائفهم، وساد الهدوء المدينة بشكل غريب، وترقب الناس مسار الأوضاع فى الشوارع والمناطق المختلفة، بينما سادت حالة من الخوف أدت إلى إغلاق المتاجر والمحلات والمقاهى.
وأوقف المسلحون بعضاً من الرافضين لهم وتم إعدامهم فى الشوارع، بينما أصدر تنظيم داعش تحذيراً للسكان من النطق بكلمة «داعش» وإلا كان العقاب ثمانين جلدة للمخالفين.
وبدأ الآلاف من العائلات فى النزوح باتجاه كردستان، شمال العراق، خوفاً من قوانين «داعش» التى تحد من حريات المواطنين وتجعلهم عرضة للموت والعقاب فى أى وقت.
فى هذا الوقت، فشل رئيس الحكومة العراقية نورى المالكى فى عقد جلسة لمجلس النواب بهدف إعلان حالة الطوارئ فى البلاد، كما أن الموقف الأمريكى اقتصر فقط على الدعم السياسى لحكومة «المالكى» فى مواجهة «داعش» ولكن دون تورط عسكرى أمريكى جديد.
كان الموقف الأمريكى مثيراً للتساؤلات فى نظر البعض، وهو أمر دفع المحللين إلى التساؤل عمّا إذا كان ما يجرى يتم بضوء أخضر أمريكى، وبهدف تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، بدءاً من سوريا والعراق.
إن أغرب التحليـــلات فى هذا الشأن تقول: «إن سقوط الموصل فى أقـــل من ليلة على يد المسلحين وهروب القوات العسكرية الحكومية باتجاه بغداد وكردستان إنما هو أمر محدد ومطلوب سلفاً».
ويرى أصحاب هذا التحليل أن التعليمات وصلت إلى قيادات الجيش العراقى التى تقدر بفرقتين، ما عدا قوات الأمن والشرطة، بالهروب وترك «داعش» تسيطر على المدن بأكملها ومنها سجن بادوش، الذى كان يضم قيادات رئيسية من «داعش» تم إطلاق سراحها. وفى مقابل ذلك، يرى بعض المحللين أن الحكومة المركزية وافقت على سحب قواتها لإسقاط الموصل والمحافظات السنية الست لتكون خطوة باتجاه فرض العزلة عليها بعد وقوعها فى يد «داعش»، وبحيث يسرى عليها سيناريو كردستان، أى يكون هناك فصل للمكون السنى فى دويلة طائفية، حتى يتسنى إعلان الدولة الشيعية فى بغداد والجنوب ليتم إلحاقها بإيران.