لا ينكر أحد أهمية الكهرباء فى حياة الإنسان المعاصر واعتماده عليها فى مصانعه ومستشفياته ومؤسساته وتخزين غذائه ووصوله إلى مقر سكنه فى الطوابق العليا وصلته بالعالم الخارجى فى مشارق الأرض ومغاربها عن طريق «النت» ومتابعة القنوات الفضائية وتمكنه من أداء واجباته المنزلية المسائية من تحضير الدروس والدراسات والتقارير، وغير ذلك من حوائج ومصالح أساسية لا تُقضى إلا بوجود التيار الكهربائى.
ولا يخفى على أحد مؤامرة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وأعوانهما من القطريين والأتراك على مصر والدول العربية المهتمة بالقضية الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين لتجنيد ضعاف النفوس من أبناء تلك الشعوب وغسل أمخاخهم ليتحولوا إلى إرهابيين ومجرمين وكارهين وحاقدين على بلدانهم ومجتمعاتهم، مختبئين فى الشعارات الدينية الخادعة والأسماء الإسلامية الجاذبة، وكأن الله لا يعلم السر وأخفى ويخيلون على الناس تلك الأسماء مثل «جماعة الإخوان المسلمين»، و«جماعة السلفية»، و«جماعة أنصار بيت المقدس»، أو تلك الشعارات أمثال: «الإسلام هو الحل»، و«الإسلام دين ودولة»، و«إلا رسول الله»، متناسين قوله تعالى: «إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ» (النجم: 23).
وعلى غرار غرور الأسماء الخادعة والشعارات الجاذبة لتكوين خونة أو مجاذيب فى داخل شعوبنا العربية، كانت الحماية بالظهير والتغطية الخارجية أمثال ما سموه «الشرق الأوسط الكبير» و«الفوضى الخلاقة» و«القوة الناعمة» و«الربيع العربى»، فنجحت المؤامرة بصفة مؤقتة فى العراق وتونس وليبيا واليمن وسوريا بما يسر الأعداء الناظرين ويأسف عليه الأحباء المؤمنون؛ فلا تعليم ولا صحة ولا كهرباء ولا كرامة لإنسان. وشعوب تلك الدول صابرة غير شاكية من نقص أو انعدام تلك المرافق الإنسانية التى لا تساوى شيئاً أمام انعدام الأمن؛ فمن طلع عليه الصباح لا ينتظر المساء، ومن أمسى لا ينتظر الصباح، وكلما اضطر أحد مواطنى تلك الدول إلى الخروج للبحث عن طعامه أو فقيده استودع مرافقيه. وما حمل شعوب تلك الدول العربية على الصبر على ما هم فيه من بلاء الآن إلا إيمانهم بالله الذى أوجب عليهم مقاومة الظالمين والمعتدين وإسقاط زاعمى الوكالة الدينية عن الله الذى أبى إلا أن يجعل الدين له ليصير حقاً فى الدنيا لكل أحد؛ بحيث يستقل كل إنسان بدينه من غير وصاية مخلوق عليه، فقال سبحانه: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» (البقرة: 193). ومنع القرآن الكريم محاسبة الناس فى الدنيا على أساس دينى وإنما التحاسب فى الدنيا على أساس مصالح الناس الحياتية ومفاسدهم وحقوقهم وواجباتهم، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 62)، وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17). وستستمر شعوب تلك الدول العربية التى وقعت فريسة المؤامرة فى مقاومتها لخونة بلادهم وظهيرهم الدوليين لإيمانهم بقوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ُفى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فى الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (القصص: 5، 6).
أما مصر -حماها الله- فقد أفشلت كيد المتآمرين وأوقعتهم فى مصيدة التاريخ عندما طبّقت عليهم المثل الشعبى «خليك مع الكداب لحد باب الدار»، وهو قريب من القاعدة الفقهية «الأصل براءة الذمة إلى أن يثبت العكس»، فمع ريبة المصريين من الإخوان، الذين بدوا مسعورين للاستيلاء على السلطة عقب ثورة الشعب البريئة فى 25/1/2011م، مع ما أخرجه البخارى عن أبى موسى الأشعرى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إنا لا نولى أمرنا هذا من سأله ولا من حرص عليه». إلا أن المصريين غلَّبوا حسن الظن فمنحوا أصحاب الأسماء الدينية الخادعة والشعارات الإسلامية الجاذبة الفرصة لحكمهم، وصبروا على بلائهم من الكذب وغلاء الأسعار وشح البنزين وانعدامه أحياناً وانقطاع الكهرباء وسحل المتظاهرين والتفريط فى أرض مصرية لترضية الإسرائيليين، بالإضافة إلى أخونة الوظائف وغير ذلك مما لا يفعله إلا خائنون يهدفون إلى استعباد الشعب باسم الدين، فانتصر المصريون لكرامتهم وإنسانيتهم التى ائتمنهم الله عليها كسائر البشر الكرماء، فأمسكوا بزمام أمرهم وأقاموا العدل فيهم اتباعاً لفطرتهم السوية التى تنطق بقول الله تعالى: «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (النساء: 135)، وقوله تعالى: «كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ» (المائدة: 8). فكانت ثورة الثلاثين من يونيو 2013م لتصحيح مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، وإسقاط تجار الدين، شركاء المؤامرة الأمريكية - الإسرائيلية - القطرية - التركية، الذين خدعوا البسطاء بالأسماء الدينية والشعارات الإسلامية دون حقائق الدين الأصيلة ومقاصده السامية التى تعلى قيمة الإنسان وحضارته.
وكان المنطق الطبيعى يفرض على الخونة الساقطين أن يفيقوا إلى أنفسهم أو أن يخرج منهم رجل رشيد يعترف بجرائمهم، خاصة بعد إذاعة المكالمات التليفونية الكاشفة لأطراف المؤامرة وتورطهم فى أكذوبة «الربيع العربى» وخدعة «الإسلام السياسى»؛ لأن الاعتراف والإقرار بالذنب نصف التوبة التى تفتح باب جمع شملهم مع المصريين الوطنيين من جديد، إلا أنهم أثبتوا لأنفسهم ولسائر الخلق اختيارهم طريق الشيطان الذى لا رجعة منه فى معاداة الإنسانية كما قال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ» (فاطر: 6). فأغلقوا قلوبهم وعقولهم فى مراجعة النفس للفىء إلى الوطن وأهله، فجرت عليهم سنة الله الكونية والمبينة فى قوله سبحانه: «خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (البقرة: 7)، وقوله تعالى: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (المطففين: 14).
وأمارة انضمام الإخوان وأعوانهم إلى كتائب الشيطان فى معاداة الإنسانية هى شماتتهم فى المصريين عند انقطاع الكهرباء الذى تورط بعضهم فيه، أو ارتفاع بعض الأسعار، وحسدهم للمصريين عندما يفتح الله عليهم أبواب الرزق من دعم بعض الدول الأشقاء أو انطلاق مشروع قناة السويس العملاق. وكأن الآية القرآنية قد نزلت فيهم كما نزلت فى أمثالهم من قبل ومن بعد، وهى قوله تعالى: «إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (آل عمران: 120).
وبهذا النص القرآنى المعجز، يفتح الله للمصريين الوطنيين وأمثالهم باب النجاة من كيد الحاسدين الخائنين الشامتين عن طريق الصبر والتعامل مع موضوع الشماتة بانقطاع الكهرباء بإظهار أوجه محاسن انقطاعها حتى يموت الغائظون بغيظهم كما يقول تعالى: «هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (آل عمران: 119).
وأعتقد أن الشعب المصرى الأبىّ قادر على أن يستفيد من أزمة انقطاع الكهرباء بما يعود عليه بالنفع والخير مثل استثمار الوقت فى أعمال الصيانة والتنمية البشرية وصلة الأرحام وإجراء المكالمات التليفونية المؤجلة، والتواصل مع الزوجة والأولاد بالتقارب والسؤال عن أحوالهم الشخصية التى يضيع السؤال عنها فى زحمة الحياة، والتفرغ لبعض الوقت فى الذكر والتسبيح والصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى ترشيد الاستهلاك للمحافظة على البنية التحتية للمولدات الكهربائية، وتغيير نمط الحياة للاستفادة من مجانية الطبيعة ضوءاً ونسيماً؛ فالبركة فى البكور والسعى إلى الابتكار فى توليد الطاقة الشمسية وغيرها؛ فالحاجة تولد المعرفة.
وبهذا نلقّن الغائظين والخائنين والشامتين درساً فى الإسلام والأخلاق بأنهم لم يعرفوا منهما إلا الشعارات والأسماء. أما المصريون الشرفاء فلم تغرهم المظاهر عن المقاصد، فكانوا أهلاً للإعجاب النبوى فيما أخرجه مسلم عن صهيب أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».