فى كل مرة يقولون إنها واقعة فردية لا تشكل ظاهرة تستحق التوقف أمامها، لكن الأمر زاد عن حده، فبعد الكشف عن فيديو لثلاثة أمناء شرطة يقومون فيه بالتمثيل بجثة قتيل بالخانكة، واغتصاب أمين شرطة لفتاة معاقة ذهنياً بقسم إمبابة، وقيام ضابط شرطة بدهس خمسة أشخاص بسيارته فى الشرقية، إذا بضابط شرطة يقتل خال فتاة، لأنه رفض زواجه من ابنة أخته! هذه الوقائع حدثت خلال ما لا يزيد على عشرة أيام. وإذا أضفت إليها حوادث الوفاة التى تقع داخل أقسام الشرطة والتى ما برحت أخبارها تتدفق طيلة الأشهر الماضية، فسوف تجد أننا أمام ممارسات شرطية يومية تقوم على الاستخفاف بأرواح وأعراض المواطنين بصورة غير مسبوقة، الأمر الذى يجعلنا نقول إننا بصدد ظاهرة وليس مجرد أحداث فردية.
نعم من بين رجال الشرطة من يضحى بحياته من أجل حماية الوطن من مخاطر الإرهاب والإرهابيين وفى مواجهة تجار المخدرات والخارجين عن القانون، لكن ذلك لا يمنع من وجود آخرين يؤدون مع المواطنين على «الكيف» ويستغلون نفوذهم وإحساسهم بأنهم جزء من السلطة، انطلاقاً من كونهم أداة الحماية بالنسبة لها، وعصاها فى مواجهة معارضيها وخصومها السياسيين.
ملاحظتان ينبغى تسجيلهما على هامش ما يحدث: الملاحظة الأولى تتعلق برد فعل رأس المؤسسة الشرطية: اللواء محمد إبراهيم، الذى يكتفى بتصريحات وبعض الإجراءات الهادفة إلى تبريد الرأى العام، دون أية محاولات لمعالجة هذه المشكلة من جذورها، فوزير الداخلية ينظر إلى الأمر وكأنه انعكاس لحالة من التردى أصابت بعض الأفراد بجهاز الشرطة، وهى نظرة عليها العديد من التحفظات. ويكفى أن أشير فى هذا المقام إلى ما نشرته الصحف من رفض أمناء الشرطة وضع الكلابشات فى يد زميلهم المتهم باغتصاب معاقة ذهنياً، وقيامهم بتهديد المصورين الصحفيين الذين يتابعون فعاليات التحقيق معه. الأمر الذى يعنى أننا أمام فئات ومجموعات -وليس أفراداً- ترى نفسها فوق القانون!
الملاحظة الثانية تتعلق بموقف الرئاسة من هذه الأحداث التى تواترت بصورة مقلقة خلال الأشهر الأخيرة. من المؤكد أن الرئيس يتابع كل هذه الأمور من خلال ما يصله من تقارير. ومن المرجح أن من يعدون هذه التقارير يتمتعون بالحرفية اللازمة لنقل حالة الغضب التى تسيطر على الشارع جراء هذه الممارسات التى لا يتصور أن يرضى عنها أحد. رئيس الجمهورية يعلم كل ذلك، وربما أكثر منه. وليس أدل على ذلك من أنه أوصى اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بعدم التعسف مع المواطنين، وكان ذلك فى لقاء معلن حضره الرئيس قبل توليه مهام منصبه، وهو ما يعنى أن «السيسى» يشعر بأن ثمة مشكلة فى العلاقة بين رجل الشرطة والمواطن، مشكلة يعلم كل من تابع الأحداث فى مصر خلال السنوات الأخيرة أنها كانت سبباً مباشراً فى اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وقد اختلف المشهد إلى حد كبير بعد موجة الثورة فى 30 يونيو والتصالح الذى حدث بين الشعب والشرطة. يخطئ بعض أفراد الشرطة حين يظنون أن بإمكانهم العمل بمنطق «عاد لينتقم»، ويخطئ الجهاز بأكمله إذا تصور أن هيبة الدولة تعنى قمع المواطنين.. ساذج من يظن أن أحداً فى مصر ما زال يخاف!