أسرار المملكة الخاصة للكوميديان محمد رضا.. مهندس وملاكم ولاعب كرة
الفنان محمد رضا
محمد رضا، كوميديان صاحب بصمة مميزة في تاريخ الفن المصري وذاكرة جمهوره، كان من صناع البهجة رغم أن حياته الشخصية مليئة بالأزمات والمتاعب، عاش طفولته بين 5 محافظات لأن والده كان موظفًا في السكة الحديد، كان يرى نفسه أهم لاعب كرة لكن مسيرته مع الساحرة المستديرة انتهت في أول مباراة رسمية، بعدها دخل حلبة الملاكمة وخرج منها بإصابات دفعته لهجر الرياضة والتركيز في التمثيل مثل والده، لكن المخرج الكبير صلاح أبوسيف غير مسار حياته وجعله يستقيل من وظيفته كمهندس بترول.
دخل معهد الفنون المسرحية مرتين واشتغل مساعد مخرج بعد فشله في استعادة وظيفته
كان محمد رضا «كاركتر مميز» على الشاشة، وصاحب فلسفة خاصة في الحياة، كان يشعر بالفخر لأنه ابن موظف في السكة الحديد وفق تصريحات إذاعية مع الإعلامية أمينة صبري، كان يقول إنَّ وظيفة والده جعلته يتنقل بين 5 محافظات، الأولى القاهرة والثانية أسيوط -مسقط رأس الكوميديان الراحل المولود في 20 ديسمبر 1921- أما مرحلة الدراسة الابتدائية فكانت موزعة ما بين المحافظات الثلاث بورسعيد والإسماعيلية والسويس، والمحافظة الأخيرة شهدت فترة شبابه وعمله كمهندس بترول، قبل أن يستقيل وينتقل للإقامة في القاهرة.
محمد رضا.. لاعب كرة وملاكم ومهندس
كان محمد رضا يؤمن بأن الحظ يلعب دورًا مؤثرًا في حياة الإنسان، ويعترف أن الحظ كان يعانده في سنوات كثيرة من حياته، اجتهد فيها ولم يجن ما يستحق أو يتمني، يعترف أنَّه كان محظوظًا لأنه ابن موظف يعيش حياة مستقرة، وهذا الموظف «كان غاوي تمثيل» ويشارك في عروض مسرح الهواة وكان يذهب لحضور هذه المسرحيات باعتباره ابن الممثل، فيشاهد رائدات التمثيل مثل عقيلة راتب وزوزو نبيل وزينات صدقي لأن الأقاليم لم يكن لديها ممثلات للأدوار النسائية وكانت تستعين بنجمات القاهرة.
جاء محمد رضا إلى القاهرة عام 1939 ليدخل مدرسة الهندسة التطبيقية العليا، وفي هذه الفترة كان مشغولا بكرة القدم، وكان يمني نفسه بمسيرة حافلة مع الساحرة المستديرة، وقرر أن يلعب في فريق المدرسة، وفي أول مباراة أقيمت خصيصا لأجله، ومع أول لمسة له في المباراة ركل أرضية الملعب بدلًا من الكرة، فتعرض لإصابة قوية فهجر اللعبة دون رجعة واكتفى بأن يصبح مشجعًا لنادي الزمالك.
تدخل القدر ليعيد محمد رضا إلى عالم الرياضة عبر حلبة الملاكمة وتحفيز من المدرب أمين محمد وكان من أبطال مصر في الملاكمة، وتنبأ له بمستقبل باهر في هذه اللعبة، وبالفعل انتظم في التدريبات وجاءت أول مباراة له في بطولة الجمهورية أمام المهندس عبدالمحسن حمودة الذي أصبح بطل مصر في وزن الذبابة، وقد تمّ إنهاء المباراة لعدم التكافؤ بعد إصابة «رضا» بكسر في الأنف وكدمات عديدة في الوجه فخرج من الحلبة وانتظر منافسه على باب القاعة وهو يمسك بطوبة في يده وقرر أن ينتقم منه ويغلق صفحة الألعاب الرياضية نهائيًا.
لجأ محمد رضا لهواية والده، الفن، وانضم لجمعية التمثيل وانبهر بهذا العالم من أول زيارة، فقرر الالتحاق بمسرح الهواة في مدرسة الهندسة التي تخرج فيها سنة 1943 والتحق بشركة بترول في السويس، وعاش في بيت العائلة، وظل يمارس التمثيل كهواية في مسرح الشركة، إلى أن شاهد إعلانًا عن مسابقة للتمثيل تنظمها مجلة «دنيا الفن» لاختيار وجوه جديدة من المقرر إلحاقها بفيلم من إنتاج شركة الفيلم المصري الراعية للمسابقة، وبعد 4 أسابيع علم أنَّه كان واحدًا من 6 آلاف تقدموا للمسابقة وتمّ تصفيتهم لـ500 ثم 50 واستقر الأمر بالوصول بالعدد لـ30، وتمّ استدعاؤهم للامتحان أمام لجنة تضم يوسف وهبي، وزكي طليمات، وأمينة رزق، وصلاح أبوسيف، ونجيب الريحاني، وسليمان نجيب، وآخرين من أقطاب الفن وقتها.
محمد رضا يحصل على دكتوراه في التمثيل
دخل محمد رضا قاعة الامتحان وكان مطلوبًا منه تقديم مشهد بالفصحي وآخر باللهجة الدارجة، وبعد أن انتهى، قال له المخرج القدير صلاح أبوسيف «أنت ممثل كويس وهيكون لك مستقبل باهر»، وعلم بعد ذلك أنَّه نجح وجاء ترتيبه الثاني بين 3 أشخاص وقع عليهم الاختيار للظهور في الفيلم المنتظر، لكن المشروع تعطّل، واضطر المهندس الشاب للعودة إلى السويس، وكان انطباعه أنه حصل على دكتوراه في فن التمثيل، فهو مجرد شاب جاء من الأقاليم دون توصية أو واسطة ونجح، ونشرت المجلة صورته باعتباره نجم المستقبل.
محمد رضا لم يتقبل فكرة بقاءه في السويس أو العمل في شركة البترول وكان كلما صعد إلى أبراج تبخير الزيت يجد نفسه مشغولًا بالتفكير في مستقبله الفني، فقرر أن يستقيل رغم أن راتبه الشهري وقتها كان 36 جنيهًا، وحاول مدير الشركة اقناعه بالتراجع عن القرار ولجأ لوالده لكن كلاهما لم يستطع التأثير عليه وحين تسلم مكافأة نهاية الخدمة عن السنوات الثلاث التي قضاها في الشركة حمل حقيبة السفر وغادر السويس.
محمد رضا يبحث عن المجد في شوارع القاهرة
جاء محمد رضا إلى القاهرة، كان يحلم بالمجد والأضواء لكنه قضى 8 أشهر يتجول بين الشوارع دون أن يصل لشيء وتدخل القدر حين كان يسير في شارع عماد الدين، ووجد نفسه أمام المخرج صلاح أبوسيف فاستوقفه وحكى له ما جرى منذ أن شاهده في لجنة تحكيم المسابقة، وأنهى كلامه قائلًا «أنا في رقبتك.. لازم تشغلني»، وعرض عليه المخرج القدير دورًا في فيلم «مغامرات عنتر وعبلة»، وطلب منه أن يذهب للاستوديو في اليوم التالي، لكن من سوء حظه أن المشهد المتعلق بدوره تأجل تصويره لمدة 5 أيام متتالية، كل يوم يذهب للبلاتوه ويجلس بجوار توفيق الدقن زميله وجاره في شبرا وبعد ساعات يبلغونهما بتأجيل التصوير لأن «الشمس مطلعتش»، وفي اليوم السادس اتفق الاثنان على عدم الحضور، والمفاجأة أن «الشمس طلعت» وتمّ تصوير المشهد بشخصين آخرين.
تسرب محمد رضا إلى مقاهي الفنانين الهواة من خلال صداقته مع توفيق الدقن، وهو من اقنعه بدخول معهد الفنون المسرحية، وتمكن من الحصول على وظيفة في وزارة الشئون البلدية صباحا، وانتظم في الدراسة بالمعهد بعد الظهر، وتزوج المهندس الشاب من شقيقة أحد أصدقائه، لكن بعد عامين شعر بأن حلمه في التمثيل بعيد المنال، فعاد إلى السويس، وأبلغ والده ومدير شركة البترول أنه فشل في تحقيق حلمه، لكن كلاهما فشلا أيضًا في إعادته لوظيفته الأولى كمهندس بترول لذا عاد مرة أخرى إلى القاهرة.
محمد رضا يلتحق بمعهد الفنون المسرحية للمرة الثانية
التحق محمد رضا بمعهد الفنون المسرحية للمرة الثانية، وتخرج عام 1953 والتحق بعدها بالمسرح الحديث والمسرح الحر، وكان يتقاضى أجره بالقطعة إلى أن تعرف على المخرج نيازي مصطفى وعرض عليه دور المعلم «أبو كف» في فيلم «فتوات الحسينية» من إنتاج محمد فوزي، بعدها عشق السينما وتعلق بالإخراج فعمل مساعد مخرج ثالث مع نيازي مصطفى وعاطف سالم، وحصل بفضل مهنته الجديدة على أصدقاء جدد أبرزهم فريد شوقي لكنه سرعان ما تمرّد على هذا المجال وهجره لأنه يرغب في أن يصبح ممثلَا فقط.
عاد محمد رضا إلى المسرح الحر وقدم دور المعلم «كرشة» في مسرحية «زقاق المدق» بعدها استعان به فريد شوقي ليؤدي دور المعلم في مسرحية «عفريت الست» في 1959، ونجح في الدور لدرجة أنَّه ظل حبيس هذه النوعية على المسرح وفي السينما، لكنه كان سعيدًا بهذه المرحلة لأن والده جاء عام 1966 ليشاهده على المسرح ويهنئه على نجاحه وتمسكه بحلمه.
قرارات مجلس إدارة عائلة محمد رضا
قدم محمد رضا ما يقارب 46 فيلمًا و23 مسرحية وعددا لا حصر له من المسلسلات التليفزيونية والإذاعية، وطوال هذه الفترة كان حريصًا على أن يستشير عائلته فيما يقدمه من أعمال فنية، أو كما قال في تصريحات إذاعية «لم أحقق كل طموحاتي الفنية لأنه كان ينقصني حسن الإدارة، لذا كنت أعمل مجلس إدارة لعائلتي للفصل في الأعمال المعروضة علي، زوجتي كريمة والأبناء أميمة وحسين ومجدي وأحمد»، ويؤكّد أنَّه كان رافضًا لتقديم المسلسل الإذاعي «عمارة شطارة» لأن زوجته وأبناءه كانوا في المصيف بالإسكندرية، وسافر إليهم وجمعهم وقرأ لهم سيناريو حلقتين، فطلبوا منه الموافقة، والتزم بقرار مجلس إدارة عائلة محمد رضا، وقدم المسلسل وحقق نجاحًا كبيرًا، وقدم أيضًا «عماشة عكاشة» المسلسل الذي كان بمثابة قفزة كبيرة لحجم نجوميته في الشارع.
محمد رضا صاحب نظرية «الفيل ملك الغابة»
لم يكن محمد رضا مجرد ممثل موهوب على الشاشة أو خلف الميكروفون بل كان شخصية مميزة في الحياة أيضًا، وصاحب نظرية جديدة تقول إنَّ الفيل هو ملك الغابة وليس الأسد، وكشف سر هذه النظرية في تصريحات تليفزيونية مع سمير صبري، إذ قال له «لو اخترت شخصية في عالم الحيوان، سأختار أن أكون الفيل، لأن التكوين الجسماني بيننا قريب، ومن واقع تجربتي أحب أرد اعتبار الفيل، لقد زرت غابات إفريقيا وشاهدت مختلف الحيوانات، وأدركت أنَّ الفيل هو ملك الغابة، وليس الأسد كما يردد الكثيرون، لأنَّ الفيل هو الحيوان الأكثر هدوءا والأقرب ألفة للإنسان، لكنه إذا غضب يدمر الغابة والدنيا، ويصبح غير محتمل فهو أقوى من الأسد وأكثرًا عنفًا».
محمد رضا يحمل الكفن بعد هزيمة الزمالك
نظرية أخرى اخترعها محمد رضا اسمها «لو لم أكن زملكاويا لوددت أن أكون زملكاويًا» وسببها أنَّه تورط في رهان مع الفنان صلاح السعدني قبل يوم من مباراة الأهلي والزمالك في الدوري، واتفقا على أن يلتقيا بعد المباراة في مقهى بالجيزة يمتلكه صديق مشترك بينهما، ومن يتخلف عن الحضور بسبب هزيمة فريقه يوصف بأنّه شخص ضعيف، والمشكلة أنَّ «الزمالك اتغلب» وظل الكوميديان العبقري يبحث عن مبرر لتفادي المواجهة المرتقبة، وحين فتح الدولاب ليحضر ملابسه وجد قماشًا أحمر اللون طوله نحو 4 أمتار، أحضرته زوجته لتفصيل فستان لابنتهما، فحمل القماش وذهب إلى الجيزة، ودخل على السعدني وصديقه وهو يضع القماش الأحمر على كتفه، فسألاه: ما هذا؟ فأخبرهما: «جئت حاملا كفني على كتفي» وظل الجميع يضحك وتناسوا نتيجة المباراة.
السيرة الذاتية للكوميديان محمد رضا
ظل محمد رضا معتزًا بكونه فنانا يفخر بأعماله السينمائية ومنها «30 يوم في السجن، وبنت اسمها محمود، وغاوي مشاكل، وممنوع في ليلة الدخلة، وعماشة في الأدغال، والبحث عن فضيحة، وخان الخليلي، وبنات حواء، وفتوات الحسينية، سلطان، والعتبة جزاز، ومعبودة الجماهير، والراجل ده هيجنني، وشادر السمك، والراقصة والطبال، والبيه البواب».
ويفخر معلم الكوميديا بما قدمه من مسلسلات تليفزيونية وإذاعية منها «علي بيه مظهر، والزنكلوني، ويوميات جاد الله، وألف ليلة وليلة، وكيف تخسر مليون جنيه، وعنتر بيكا، ويوميات ونيس، وعماشة عكاشة، وبرعي وحماره، وحكاية الترولي»، ووصل نجاحه إلى حد إنتاج أعمال تحمل اسم الشخصية التي يقّدمها مثل فيلم «رضا بوند»، ومسلسل «قهوة المعلم رضا».
ظل محمد رضا يعمل في الفن لآخر يوم في حياته، ورحل في شهر رمضان عام 1995 بعد أن عاد من بلاتوه تصوير مسلسل «ساكن قصادي» في نهار شهر رمضان عام 1995.