في يوم ميلاد «الولد التقيل».. تفاصيل 4 سنوات عاشها حسين فهمي في أمريكا
حضر جنازة لوثر كينج وشارك في مظاهرات حرب فيتنام.. ودعم عمال المكسيك
حسين فهمي
حسين فهمي.. اسم يختصر حالة فريدة من النجومية، رجل يحتفظ ببريق الوسامة في عامه الـ82، يتمتع بثقافة تعينه على البقاء في دائرة الضوء، فنان له تجارب مضيئة في تاريخ السينما المصرية، صاحب حضور مميز في كل مكان يظهر فيه، هو طالب كلية الحقوق الذي خالف رغبة والده وقرر دخول معهد السينما، نجح بتفوق فحصل على منحة لدراسة الإخراج السينمائي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقضى 4 سنوات في رحاب هوليود، لكنه شارك خلالها في العديد من المظاهرات والفعاليات السياسية التي تكشف المبادئ الأمريكية المزيفة.
حسين فهمي من مواليد 22 مارس عام 1940، والده درس العلوم السياسية في فرنسا، وأصبح سكرتير مجلس الشورى، الأم درست في السوربون، وتفرغت لرعاية أطفالها الثلاثة، كانت الأسرة تحرص على مشاهدة عروض المسرح والسينما، وحضور عروض الأوبرا مرة كل أسبوع، ورغم ذلك لم تتقبل هذه الأسرة أن يدرس نجلها الفن، والتحق بكلية الحقوق بناء على رغبة الأب، ليضمن مستقبله السياسي، مثلما حدث مع شقيقه «حسن» الذي أصبح سفيرا فيما بعد.
حسين فهمي يؤدي دور أنور وجدي
علاقة حسين فهمي بالسينما، بدأت وعمره 10 سنوات، وقتها كان مبهورا بأفلام أنور وجدي، وكان يتفق مع بنت الجيران على تمثيل أدواره الرومانسية، على أن تتقمص هي دور ليلى مراد، لكن في مجتمع المدرسة، كانت السينما بالنسبة له هي عالم الأحلام، مشاهد تصور الحياة كما يريد صاحب الفيلم، وبعد أن قرأ في هذا المجال، عرف أن صاحب الفيلم هو المخرج، لأنه مسؤول عن كل التفاصيل، من اختيار القصة للممثلين والمصورين وتوقيت التصوير، فكان يتقمص دور المخرج، ويحكي لزملائه في المدرسة، موضوعات الأفلام الأمريكية، مصحوبة بتفسير طريقة التصوير والمشاهد الحقيقية والمصطنعة في كل فيلم، وحين صارح الطفل المبهور بالسينما والده برغبته في دراسة هذا الفن، رفض.. لأنه من عائلة سياسية لا يمكن أن تتقبل أن يصبح نجلها فنانا، رغم أن نجيب الريحاني ويوسف وهبى وسليمان نجيب كان من أقرب أصدقاء والده في ذلك الوقت.
حسين فهمي يلتحق بكلية الحقوق
دخل حسين فهمي كلية الحقوق وظل فيها سنوات، لكن في صباح أحد الأيام، قرأ خبرا في صحيفة الأهرام، عن قبول دفعة جديدة في معهد السينما بأكاديمية الفنون، فغادر المنزل سريعا، وذهب إلى كليته، وسحب ملفه، وذهب به إلى معهد السينما، فطلبوا منه أن يخوض اختبار القبول، وتمكن من اجتيازه، وعاد للمنزل مرة أخرى، ليبلغ أسرته أنه التحق بالمعهد، وقتها انهارت والدته، وقرر والده مقاطعته، لكن حالة الخصام بينه وبين والديه لم تستمر لأكثر من 3 أيام، بعدها استسلما لرغبة نجلهما.
داخل قسم الإخراج بمعهد السينما، كان حسين فهمي نموذجا للطالب المجتهد، وهو ما جعله صديقا لغالبية أساتذته، يوسف شاهين، وصلاح أبوسيف، ومحمود مرسي، وعلى الزرقاني، وأصبح ضيفا دائما على منازلهم، ويتلقى منهم الكثير من المكالمات على تليفون منزله، وهو ما جعل والده يرتاب في اهتمام اصحاب كل هذه الأسماء بنجله، خاصة أنه لم يكن في ذلك الوقت يعرف الفارق بين الممثل والمخرج والكاتب، لكنه كان مرتابا في اختلاط نجله بهذا الوسط وفق تصريحات تليفزيونية.
يوميات حسين فهمي في هوليود
تخرج حسين فهمي بتفوق، وصدر قرار بتعيينه معيدا بمعهد السينما عام 1963، سرعان ما حصل على منحة الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وقتها شعرت أسرته بجدية تعامله مع المجال الذي اختاره، سافر ليقضي في هوليود 4 سنوات، وخلال هذه الفترة، فهم حقيقة المجتمع الأمريكي، وأدرك أن هوليود نموذج للاحتكار، ولن تفتح ذراعيها وخزائن أسرارها لوافد من دولة عربية، يطمح في تطوير السينما المحلية في بلده.
سحر هوليود لم يؤثر على قناعات حسين فهمي، ولم يحفزه على العيش كمواطن أمريكي، فقد كان حريصا على الانحياز والدفاع عن المبادئ التي يؤمن بها، شهد في أول أعوامه، حادث اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي، وشارك في أحداث وفعاليات تفضح زيف المبادئ الأمريكية، دخل في مناقشات عديدة مع زملائه بشأن القضية الفلسطينية، وكان وقتها يحفظ كل بنود قرارات مجلس الأمن الداعمة لحق الفلسطينيين في تحرير أراضيهم من الاحتلال الإسرائيلي، كما شارك في المظاهرات المناهضة للحرب الأمريكية في فيتنام، مثلما شارك في مسيرات مارتن لوثر كينج، للمطالبة بإنهاء التمييز العنصري ضد السود الأمريكيين، وشارك في جنازته عقب اغتياله، وكان يراه من أهم النشطاء الاجتماعيين في عصره وكان أصغر من حاز على جائزة نوبل للسلام.
كما شارك الشاب المغرم بالسينما في هوليود، في المسيرات الصامتة التي نظمها العمال المكسيكيون، للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، وكانوا وقتها محرومين من الحصول على أجر عادل، أو شرب النبيذ، وكان آخر ذكريات حسين فهمي مع المجتمع الأمريكي، مناقشات حادة نشبت بينه وبين رواد مطعم أمريكي عقب نكسة يونيو 1967، وكان يحاول خلالها الدفاع عن بلده ضد المحتل الإسرائيلي.
حسين فهمي مدرسا لمدة 12 سنة
عاد حسين فهمي إلى مصر، وأصبح أستاذا للإخراج في معهد السينما لمدة 12 عاما، وطرق منذ لحظاته الأولى أبواب السينما، وبحكم علاقته السابقة بالمخرج يوسف شاهين، التحق بالعمل معه مساعد مخرج في فيلم «الاختيار» بطولة سعاد حسني وعزت العلايلي، وكان مسؤولا وقتها عن كل ما يخص سعاد حسني، بداية من تنفيذ التعديلات التي طلبتها على عقد الفيلم، مرورا بالتحضير للشخصية، واختيار ألوان ملابسها، وتحديد مواعيد تصوير مشاهدها، وقادته الصدفة لزيارتها في ستوديو النحاس، وكانت هناك لتصوير فيلم من إنتاج رمسيس نجيب، وحين شاهد المنتج هذا الشاب الوسيم في غرفة السندريللا سألها عنه.
وبعد دقائق، طلب من المصور السينمائي وحيد فريد، أن يجري له اختبارا أمام الكاميرا، واعتبر حسين فهمي الأمر مجرد مزحة، لكنه فوجئ في المساء بالمنتج يتصل به، ويطلب منه مقابلته ليوقع معه عقد فيلم جديد.. كممثل، فرفض، والغريب أنه في اليوم التالي، تلقى اتصالا من منتج آخر يطلب منه مقابلته للتوقيع على عقد فيلم.. كممثل، وعرف منه أنه شاهد اختبار الكاميرا الذي أجراه له المصور وحيد فريد، وعرف أن نور الشريف كان هو بطل الفيلم، وانسحب بعد بدء التصوير بيومين.
سر تنافس المنتجين على الوجه الجديد حسين فهمي
اندهش حسين فهمي من تهافت المنتجين على الفوز بتوقيعه كممثل، وكان السر وراء هذا الأمر، الرغبة في ضخ دماء جديدة تنعش شرايين السينما التي انحصرت فيها أدوار الفتى الأول على رشدي أباظة وشكري سرحان، لذا عرض الأمر على اثنين من أساتذته، يوسف شاهين ومحمود مرسي، وكلاهما نصحه بخوض التجربة لاكتساب مهارة فهم طبيعة الممثل، معتبرين أنها ستعينه فيما بعد كمخرج على تطويع الممثل بأسلوب أفضل، لكن يوسف شاهين حذره من التمادي في الأمر، وقال له (اوعى تبقى كوكب، يعني نجم شباك، هتكسب فلوس كتير، لكن هتبقى سلعة يستخدموها زي ما هما عايزين).
أول أفلام حسين فهمي
التحق حسين فهمي بقطار السينما عبر فيلمين، صورهما في توقيت واحد، أولهما «نار الشوق» أمام صباح ورشدي أباظة، والثاني «دلال المصرية» أمام ماجدة الخطيب وصلاح قابيل، وكلا العملين عرض في توقيت واحد، وانهالت عليه العروض بعدها، وكان حصيلة أول 3 سنوات له مع الشاشة الفضية 9 أفلام، أهمها «خلي بالك من زوزو» أمام سعاد حسني عام 1972، و«عاشق الروح» أمام نجلاء فتحي 1973، وقدم معها أيضا في العام ذاته «دمي ودموعي وابتسامتي».
وتوالت بعدها مشاركاته السينمائية فيما يقارب 200 فيلم، أبرزها (أجمل أيام حياتي، والقطار، وكلاب الحراسة، وأميرة حبي أنا، وإسكندرية كمان وكمان، واختفاء جعفر المصري، والأخوة الأعداء، والأنثى، والبرنس، والجاسوسة حكمت فهمي، والحجر الداير، والعار، والقرش، والكويسين، والمذنبون، والمرأة هي المرأة، وامرأة بلا قيد، وانتبهوا أيها السادة، وبحر الأوهام، وجري الوحوش، وحافية على جسر الذهب، ودموع بلا خطايا، والرصاصة لا تزال في جيبي، وشهد الملكة، وشوق، واللعب مع الكبار، وليلة بكى فيها القمر، وموعد على العشاء).
حسين فهمي يدفع ثمن الشهرة
يعترف حسين فهمي بأنه خطط ليصبح نجما في الإخراج، لكنه أصبح نجما في عالم التمثيل، وحظى بحب الناس، وهي نعمة يعتبر أنها الأهم في حياته، لأنه منحه شهرة أكبر مما توقع، لكن هذه الشهرة كان لها ثمن لا بد من دفعه، فرغبته في معايشة أدواره، واجتهاده في التقمص، كانا سببا في وقوعه فعليا في حب غالبية بطلات أفلامه، شادية ويسرا وليلى علوي ونجلاء فتحي وميرفت أمين، وكان يصاب بالاكتئاب مع نهاية تصوير كل فيلم رومانسي.
ويعاني من الإحساس بالخيانة، حين تقدم إحداهن على التمثيل أمام شخص آخر، لكن الأسوأ أنه لم يعد يملك رفاهية أن يعيش كما كان قبل التمثيل، لم يعد يستطع السير على كورنيش النيل وأكل الذرة المشوي، مثلما فعل أيام الدراسة، لم يعد يستطيع الظهور على الشواطئ العامة، بل لم يكن يجرؤ على تلبية بعض الطلبات البسيطة لأولاده، مثل مرافقتهم في زيارة حديقة الحيوان، لأنه فعل ذلك في إحدى المرات، وبعد دخوله للحديقة، احتشد حوله المعجبون، فشعر أطفاله وقتها بالخوف، واضطر لمغادرة المكان بعد 5 دقائق.
يعتبر حسين فهمي نجم السينما إما أن يصاب بالجنون أو يتحول لشخص واع ومتصالح مع نفسه، لذا لم يتوقف أمام وصفه بالنجم الوسيم، لأنه بطبعه لا يحب النظر في المرآة، يسعى لتقديم أدوار متنوعة، ولا يعترض على تفضيل الناس له في بعض الأدوار، فهو مؤمن منذ بداياته، بأن التمثيل يحتاج موهبة، وثقافة تصقل الموهبة، بعدها تأتي التجربة التي يتعلم منها الفنان اختيار مدرسة فنية ينتمي لها، والتجارب تمنح الفنان الثقة التي يحتاجها للوصول إلى النجاح، ففي طفولته مثلا، كان يتمنى أن يصبح مثل أنور وجدي أو رشدي أباظة، وخلال دراسته للإخراج، كان يتمنى تقديم أفلام تنافس السينما العالمية، لكن التجربة العملية، جعلت منه ممثلا يجتهد في تقديم دوره، وينتظر الحكم، وبالنسبة له الجمهور هو الحكم، وهو من يمنحه شهادة الخلود أو النسيان.