خيوط ملونة تغطي سقف غرفة متهالكة يفوح منها عبق التاريخ، تزينها الألوان الزاهية التي تتراقص عليها أشعة الشمس، في أقدم ورشة لصباغة الخيوط وتلوينها على طريقة الفراعنة في أحد أزقة الدرب الأحمر بمحافظة القاهرة، حيث يبلغ عمر الورشة 105 سنوات، بعدما توارثها عائلة «سالم» جيلًا تلو الآخر، بينما يديرها الآن الحاج سلامة وأبنائه وأحفاده وعدد من العمال الذين يساعدوهم في العمل، فيما يأتي التجار من مختلف محافظات الجمهورية لشراء الخيوط المصبوغة منهم.
«سلامة» ورث صباغة الخيوط أباً عن جد
وقال الحاج سلامة محمود سلامة، 85 سنة، إنّه توارث مهنة صباغة الخيوط داخل تلك الورشة أبًا عن جد منذ عشرات السنين، رغم أنّهم من «عرب الشعارة» بشبين القناطر بمحافظة القليوبية، إلا أنّ ورشتهم في الدرب الأحمر بالقاهرة جعلت صيتهم يذاع في كل مكان، واستقروا فيها نظرًا لعملهم.
وأضاف «سلامة» في تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أنّ الألوان التي يستخدمها في صباغة الخيوط، جعلت حياته وأفراد أسرته دائمًا ملونة وزاهية، موضحًا أنّه رغم سنه فهو حريص على الاحتفال بعيد ميلاده بشكل سنوي وسط أبنائه وأحفاده الذين يعملون معه في نفس المجال.
الصباغة على طريقة الفراعنة
وأشار إلى أنّ مصبغة الخيوط الخاصة به تعمل على طريقة الصباغة الفرعونية كما وُجدت على جدران المعابد وفي المخطوطات المختلفة، موضحًا أنّهم حريصين على العمل بنفس الطريقة حتى الآن وهي الطريقة اليدوية، ويعمل معه أبنائه الـ 15 الذين توفى منهم 4 ولكن الـ 11 الآخرين لا يزالون يعملون معه، بالإضافة إلى أحفاده وبعض العمال.
زبائنه في كل محافظات مصر
وأوضح أنّ زبائنه يمتدون في كل المحافظات من أسوان إلى الإسكندرية، خصوصاً أنّه يصبغ كافة أنواع الخيوط بكل الألوان، ثم يأتي التجار ويأخذوها ويوزوعها على المصانع المختلفة لصناعة بكر الخيوط، سواء الخاص بصناعة وحياكة الملابس والجلبات أو الأحذية، أو الملابس الصوفية.
مراحل صباغة الخيوط بالألوان
وعن مراحل صباغة الخيوط، كشف «سلامة» أنّ صباغة الخيوط تمر بعدة مراحل بداية من النقع، ثم صباغتها بشكل يدوي بإذابة الألوان في أحواض مياه وتقليب الخيوط بداخلها، وأخيرًا نشرها على مناشر خشبية لتجف، لافتاً إلى أنّهم في البداية كانوا يعملون بالسولار والجاز لصباغة الخيوط ولكن مع الوقت قرروا التخلي عنها واستخدام الأخشاب في تجفيف الخيوط، وهي طريقة فرعونية أيضاً وموفرة جداً، لذلك لا تزال ورشته تعمل بكافة طاقتها حتى الآن رغم إغلاق العديد من المصابغ.
وشدد على ارتباطه بتلك المصبغة التي فتح أعينه منذ نعومة أظافره فيها، حيث تربى وترعرع بداخلها، كما أنّه يحب الناس والناس تحبه بتلك المنطقة لذلك لم ولن يفكر في أن ينقل المصبغة إلى أي مكان آخر مهما كانت مميزاته.
وأردف قائلاً، إنّه يتوافد عليه الكثير من الشباب لتعلم صباغة الخيوط، مؤكداً أنّه لا يغلق بابه في وجه أحد، ويحب تعليم الشباب ليحافظوا على حرفة صباغة الخيوط بطريقة الفراعنة، ولا تندثر.
الخيوط المصري أفضل من الصيني
الخيوط الصيني ليست جيدة بقدر المصري، ولا يمكن أن تدخل معها في منافسة، خصوصاً فيما يتعلق بالخيوط التي تدخل في حياكة الجلباب البلدي، والملابس الصوف، والأحذية، نظراً لأنها تحتاج إلى متانة وجودة عالية، وفقاً لـ«سلامة».
تعليقات الفيسبوك