نعم لا يوجد اختراع فى تاريخ الإنسان إلا كنتيجة طبيعية لاحتياج أو أزمة، تتعلق بالمأكل والمشرب والملبس والاستشفاء من الداء، وهو الذى دفع وزارة الزراعة للاهتمام بتفعيل «الزراعات التعاقدية» لمحصولى الذرة الصفراء وفول الصويا.
قفزة وزارة الزراعة داخل الدائرة الفعالة للزراعات التعاقدية فى الذرة الصفراء، جعلت الفلاح المصرى يغادر حالة الإحباط من العروة الصيفية للزراعات الخاسرة، وكانت الذرة الشامية بطلها، حتى رأينا طن الذرة الصفراء المنتجة فى أرض مصرية وبأيدى فلاح مصرى، يباع بسعر 10 آلاف جنيه، متخطياً سعر الذرة الأوكرانية والبرازيلية والأرجنتينية، وكل المستوردة، التى نستورد منها سنوياً نحو 7 ملايين طن، بنحو 3 مليارات دولار.
أزمة الدولار الحالية فى العالم، وليس فى مصر وحدها، يجب أن تحرِّض الباحثين والعلماء على النبش فى خزائن الطبيعة عن أسرار المواد الخام النباتية، التى تم تصديرها من مصر قبل عشرات السنين، ثم عادت إلينا فى كبسولات وأمبولات دوائية أو مبيدات حشرية أو عقاقير بشرية وبيطرية.
مصر تملك 43 مركز بحوث فى مجالات الزراعة والعلوم الفيزيقية والكيميائية والنووية والطاقة الذرية، وما بينها من مراكز تخصصات نوعية دقيقة، وهى تابعة لوزارات أو لجامعات، ولن أركز هنا إلا على كتيبة المراكز البحثية التابعة لوزارات: الزراعة، التعليم العالى، التخطيط، الصحة، وما بينها من ترابط علمى ومالى، وما يجمعها من بروتوكولات تمويل ورعاية بحثية وعلمية وتطبيقية.
وزارة الزراعة وحدها تملك المعمل المركزى للمبيدات، ومعه معهد بحوث وقاية النباتات، ومعهد بحوث أمراض النباتات، وهى سلسلة بحثية علمية تجريبية تدور فى فلك تأمين حاجة مصر من مبيدات مكافحة آفات النباتات، التى تبلغ حجم تجارتها فى مصر نحو 7 مليارات جنيه، تعادل 10 آلاف طن مادة فعالة، 70٪ منها مستوردة، وندفع مقابلها للهند والصين وغيرهما نحو 250 مليون دولار سنوياً.
وزارة الصحة تملك العديد من المراكز البحثية فى مجالات العقاقير والأمصال واللقاحات الخاصة بسموم الزواحف والعقارب وغيرها، ومع ذلك نستورد أدوية ومواد صيدلانية بنحو 3.5 مليار دولار فى 2021، من دول نهبت ثروتنا من النباتات الطبية، لتحلب موادها الفعالة، وتعيد تصديرها فى قوالب تجارية مغلفة، ومسجلة عالمياً بأسماء تجارية تملك حقوق تسويقها.
وقبل أيام قليلة، التقيت صدفة على عتبة المعمل المركزى للمبيدات، التابع لمركز البحوث الزراعية المصرى، أحد العلماء (فوق سن المعاش)، وهو أستاذ متفرغ ويعمل منذ نحو 20 عاماً فى دولة الكويت الشقيقة، ليصيبنى فى أم رأسى بإجابة مبهجة وصادمة فى آن، على سؤال يلخص فكرة هذا المقال:
- هل نملك القدرة على تصنيع احتياجات مصر من المواد الخام للمبيدات التى نستوردها؟
* مصر تستطيع إنتاج كل احتياجاتها، وتصدير فوائض منها، إذا نجحت فقط فى تسويق نتائج بحوث علمائها فى كل مجالات الحياة.
تلك كانت الإجابة التى استحقت التوثيق، حتى يعلم كل وزير أو رئيس مركز بحوث أو مدير معهد أو معمل بحثى فى مصر قيمة ما يحويه «كنز العلماء»، الذين بهم سوف «تحيا مصر» حقاً.