حينما قرر الدكتور مصطفى مدبولى تحديد «كوتة دولارية» أسبوعية لإفراجات مدخلات صناعة الدواجن، ظن المربون والمنتجون أن شبح الإفراج سيخيف التجار ، فيضطرون لعرض مخزوناتهم، وبالتالى تنهار أسعارها، وهو ما لم يحدث، حيث شهدت السوق مضاربات سعرية نحو الغلو.المستهلك المصرى بدوره، التقط أنفاس الراحة، إيماناً بأن أسعار الدجاج وبيض المائدة ستنهار فى الصباح الباكر، على طريقة البورصة، وهو ما لم يحدث.
والحقيقة أن تجار الأزمات حسبوها بالساعة، إذ تحتاج الإفراجات الجديدة من الصويا إلى 10 أيام للعصر والتجهيز، ما يعنى استمرار حالة العطش السوقية، فاستمروا فى عرض مخزوناتهم بزيادات سعرية تتراوح بين 400 و1500 جنيه، دون رادع أو رقيب، حسناً استجابت الحكومة المصرية لصرخات المربين والمنتجين .
لكن الإجراء الغريب الذى دوّخ رؤوس معظم العاملين فى هذه الصناعة، هو «دعوة» لاستيراد 20 ألف طن دواجن مجمدة برازيلية، بمواصفات توثق علامات الجودة على الأوراق فقط، فى الوقت الذى كانت فيه صدور المربين المصريين لا تزال تئن من وجع استيراد 400 طن فقط من المجزءات الأمريكية.
ما يثير العجب فى القرار، تلك القوة التى تنعكس عنه، وهي الاقناع بأهمية استيراد الدواجن كخزين استراتيجى يغطى فجوة غذائية محتملة من البروتين الداجنى، بدلاً من تلبية نداءات متكررة من وزارة الزراعة واتحاد منتجى الدواجن لشراء احتياجات المجمعات الاستهلاكية من دواجن المربين المحليين، وبسعر يساوى المستورد، أو يقل عنه، خاصة العرض الأخير الذى قدمه اتحاد منتجى الدواجن إلى رئيس مجلس الوزراء، بتاريخ 10/10/2022، أى قبل صدور قرار توفير النقد الأجنبى لتحرير خامات الأعلاف من محابسها.
الفرق بين الاستيراد والإنتاج المحلى لم يعد فى حاجة إلى تذكير أو ترغيب، لكن الأخير أصبح فرض عين وإجباراً على كل الدول فى ظل ظروف الحرب، والتغيرات المناخية، حيث بدأت كل الدول حشد طاقاتها واختبار قدراتها على إنتاج احتياجاتها ذاتياً، وعدم التصدير قبل الوفاء بالتزامات شعوبها.
الفرق بين الاستيراد والإنتاج هنا أن 20 ألف طن دواجن، تعنى نحو 20 مليون دجاجة، وهى كمية تمثل إنتاج أسبوع فقط من صناعة الدواجن المصرية، ما يعنى خصم راتب سبعة أيام عمل لنحو ثلاثة ملايين عامل مصرى، وتعطيل مصالح مثلهم يشتبكون مع هذا القطاع فى مصالح مشتركة.
فرق مهم أيضاً بين الإنتاج المحلى والاستيراد، هو أن ريع الأخير يصب فى صالح حفنة قليلة من تجار، وعدد قليل من المستخلصين الجمركيين، لكن الإنتاج يساعد على تحريك دورة السيولة المالية فى عصب المجتمع، فتنتعش الأسواق، وترتفع الحالة المعنوية، ويخف الاحتقان المجتمعى للمواطنين.
قرار مجلس الوزراء بتدبير كوتة دولارية لخامات الأعلاف، سيعيد عجلة هذه الصناعة الوطنية لدورانها المعتاد، ليزول الاحتقان المجتمعى الناتج عن أزمة منتجين ومستهلكين يشكلون عصب اقتصاد الوطن، لكن شرط إلزام وزارة التموين بالشراء من الإنتاج المحلى، وتوفير النقد الأجنبى للإفراج عن خامات الأعلاف وباقى مستلزمات إنتاج البروتين للمصريين.