فى يوم الثلاثاء الموافق السادس والعشرين من شهر سبتمبر 2023م، حظيت بشرف إلقاء محاضرة بأكاديمية أبوظبى القضائية عن «حقوق فنانى الأداء». وقد انعقدت هذه المحاضرة من خلال تقنيات الاتصال عن بُعد، وكانت بالاشتراك مع الصديقة العزيزة الأستاذة الدكتورة رانيا يحيى، عميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون.
وقد شاءت الصدفة وحدها أن تتزامن هذه المحاضرة مع الاستعدادات لبدء العام الدراسى الجديد فى جمهورية مصر العربية. ومع بدء الاستعداد للعام الدراسى الجديد، تداول النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعى منشوراً عن تدريس مسيرة الفنانة سميحة أيوب بمقرر الصف السادس الابتدائى، باعتبارها إحدى الشخصيات المصرية المؤثرة، وذلك ضمن مقرر مادة المهارات والأنشطة.
كذلك، وتعبيراً عن تقدير الدولة المصرية للفن والفنانين، وفى يوم الأربعاء الموافق الحادى عشر من شهر أغسطس 2021م، أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى بإطلاق أسماء بعض السياسيين والشخصيات العامة البارزة على عدد من الكبارى والمحاور المرورية فى العاصمة المصرية، القاهرة، كان من بينهم الفنان المصرى الراحل سمير غانم، الذى تم إطلاق اسمه على كوبرى جديد على محور محمد نجيب المتقاطع أعلى الطريق الدائرى فى العاصمة المصرية.
وغنى عن البيان أن الدستور الحالى الصادر سنة 2014م يعتبر «الرصيد الفنى المعاصر» أحد «المقومات الثقافية» للمجتمع المصرى. فوفقاً للمادة الخمسين من الدستور، «تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، وتولى الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر».
وتجدر الإشارة ابتداءً إلى تحديد المقصود بفنانى الأداء، حيث تنص المادة 138 البند الثانى عشر من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002م على: «فنانو الأداء: الأشخاص الذين يمثلون أو يغنون أو يلقون أو ينشدون أو يعزفون أو يرقصون فى مصنفات أدبية أو فنية محمية طبقاً لأحكام هذا القانون أو آلت إلى الملك العام، أو يؤدون فيها بصورة أو بأخرى، بما فى ذلك التعبيرات الفلكلورية». وفى المعنى ذاته، وطبقاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادى رقم (38) لسنة 2021 بشأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، «فنانو الأداء: الممثلون، والمغنون، والموسيقيون، والراقصون، وغيرهم من الأشخاص الذين يلقون أو ينشدون أو يعزفون أو يؤدون بأى صورة، فى مصنفات أدبية أو فنية أو أى من أوجه التعبير الفلكلورى متى كانت محمية طبقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون أو داخلة فى إطار الملك العام».
وقد يرى البعض أن من الأنسب والأفضل استخدام تعبير «مبدعى الأداء» بدلاً من مصطلح «فنانى الأداء»، ناظراً فى ذلك إلى أن قراء القرآن الكريم هم ممن ينطبق عليهم التعريف القانونى سالف الذكر لفنانى الأداء (الأستاذ شريف جاد الله المحامى، تعليقاً على منشور على صفحتى الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، 3 يونيو 2023م).
وأياً كان الأمر، وسواء أُطلق عليهم تعبير «فنانى الأداء» أو «مبدعى الأداء» أو «المؤدين» أو أى مصطلح آخر، وباستقراء خطة التشريعات العربية فى شأن هذه الطائفة من المبدعين، يبدو سائغاً القول إن النظرة التشريعية السائدة إلى «حقوق فنانى الأداء» تعتبرها من «الحقوق المجاورة» أو «الحقوق المتصلة بحق المؤلف». ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال الاطلاع على نصوص القوانين والتشريعات ذات الصلة. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادى رقم (38) لسنة 2021 بشأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، يحدد المشرع المقصود بأصحاب الحقوق المجاورة، مقرراً أنهم «فنانو الأداء، ومنتجو التسجيلات الصوتية، وهيئات الإذاعة، وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون».
والأمر ذاته ينطبق على القانون الكويتى رقم (75) لسنة 2019 بإصدار قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، حيث تنص المادة الأولى البند الثامن منه على أن «الحقوق المجاورة: الحقوق التى يتمتع بها من يقومون بنقل عمل المؤلف إلى الجمهور، ويُعرفون بأصحاب الحقوق المجاورة وهم فنانو الأداء ومنتجو التسجيلات الصوتية وهيئات البث».
والحال ذاته ينطبق على القانون البحرينى رقم (22) لسنة 2006 بشأن حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والقانون القطرى رقم (7) لسنة 2002 بشأن حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، والمرسوم السلطانى العمانى رقم 65 لسنة 2008 بإصدار قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.وإذا كان المشرع المصرى قد سلك منهجاً مغايراً بعض الشىء، مفضلاً وضع تقنين جامع لكل حقوق الملكية الفكرية، وذلك بموجب قانون حماية حقوق الملكية الفكرية الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2002م، فإن النظرة ذاتها إلى «حقوق فنانى الأداء» باعتبارهم من أصحاب «الحقوق المجاورة لحق المؤلف» قد بقيت قائمة. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى عنوان الكتاب الثالث من هذا القانون، والذى ورد على النحو التالى: «حقوق المؤلف والحقوق المجاورة».
وفى الجمهورية اللبنانية، ورغم أن القانون ذى الصلة بالموضوع الذى نحن بصدده يحمل عنوان «حماية الملكية الأدبية والفنية»، وهو قانون حماية الملكية الأدبية والفنية رقم 75 لسنة 1999م، بحيث لم يظهر تعبير «الحقوق المجاورة» فى عنوانه، فإن النظرة ذاتها بقيت موجودة فى نصوص القانون ذاته.
إذ تنص المادة الأولى من هذا القانون على أن «الحقوق المجاورة هى الحقوق التى يتمتع بها الفنانون المؤدون ومنتجو التسجيلات السمعية ومؤسسات ومحطات وشركات وهيئات البث التليفزيونى والإذاعى ودور النشر».وفى الجمهورية التونسية، وبالاطلاع على القانون عدد 36 لسنة 1994 المؤرَّخ فى 24 فيفرى 1994 والمتعلّق بالملكية الأدبية والفنية، نجد أنه قد ورد خلواً من أدنى إشارة إلى مصطلح الحقوق المجاورة. ومن ثم، فقد يتبادر إلى ذهن البعض أن المشرع التونسى قد تبنى منهجاً مغايراً فى هذا الشأن. والواقع أن القانون المشار إليه قد ورد خلواً من تنظيم حقوق فنانى الأداء. ولهذا السبب، لم يرد به مصطلح الحقوق المجاورة.
ولذلك، أصدر المشرع التونسى القانون عدد 33 لسنة 2009 المؤرَّخ فى 23 جوان 2009 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون عدد 36 لسنة 1994 المؤرَّخ فى 24 فيفرى 1994 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية. وبموجب هذا القانون الجديد، أضاف المشرع باباً جديداً إلى القانون المتعلق بالملكية الأدبية والفنية، وهو الباب السابع مكرر، ويحمل عنوان «الحقوق المجاورة». وطبقاً للفصل 47 مكرر، «يقصد بالحقوق المجاورة فى مفهوم هذا القانون، الحقوق التى يتمتع بها فنانو الأداء ومنتجو التسجيلات السمعية أو السمعية البصرية والهيئات الإذاعية والتلفزية».
أما الفصل 47 ثالثاً، فيحدد المقصود بفنانى الأداء، بنصه على أنه «يُقصد بفنانى الأداء فى مفهوم هذا القانون: الممثلون والمغنون والموسيقيون والراقصون وغيرهم من الأشخاص الذين يمثلون أو يغنون أو يلعبون أو ينشدون أو يعزفون أو يؤدون بأية طريقة أخرى المصنفات الأدبية أو الفنية المحمية أو المدرجة ضمن الفنون الشعبية على معنى الفصل 7 من هذا القانون أو التى سقطت فى الملك العام».ويبدو أن التشريعات العربية قد تأثرت جميعها فى هذا النهج بالقانون الفرنسى رقم 92 - 597 الصادر بتاريخ الأول من يوليو 1992 بشأن قانون الملكية الفكرية. إذ يتعلق الكتاب الأول من هذا القانون بحق المؤلف.
أما الكتاب الثانى منه، فقد ورد تحت عنوان «الحقوق المجاورة لحق المؤلف».وفى المقابل، تنتهج الاتفاقيات الدولية مسلكاً مغايراً من خلال إفراد اتفاقية مستقلة لحقوق فنانى الأداء، وبحيث لا يتم الجمع بينها وبين حقوق المؤلف.
ولعل ذلك يبدو جلياً من مطالعة عنوان «اتفاقية روما بشأن حماية فنانى الأداء ومنتجى التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة لسنة 1961م». والأمر ذاته ينطبق على «معاهدة الويبو بشأن الأداء والتسجيل الصوتى لسنة 1996م». وإذا كان مشروع «معاهدة حماية الأداء السمعى البصرى» لم يرَ النور، ولم يتسنَّ اعتمادها حتى تاريخه، إلا أنها تسير أيضاً فى الاتجاه ذاته، من خلال النظرة إلى «حقوق فنانى الأداء» بوجه منفصل ومستقل عن «حقوق المؤلف».
وعلى النسق ذاته، جاءت العديد من التشريعات الأنجلوسكسونية، فعلى سبيل المثال، وفى المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، صدر أولاً قانون حماية فنانى الأداء المسرحى والموسيقى لعام 1958م. وقد خضع هذا القانون للتعديل بموجب قانون حماية فنانى الأداء لسنة 1972م. وفى جنوب أفريقيا، ثمة قانون خاص بحقوق فنانى الأداء، وهو القانون رقم 11 لسنة 1967 بشأن حماية فنانى الأداء. وفى جمهورية أيرلندا، صدر قانون حماية فنانى الأداء لسنة 1968م.ونعتقد أن إيلاء الاهتمام الواجب لحقوق فنانى الأداء ينبغى أن ينطلق من النظرة إلى هذه الحقوق بشكل منفصل ومستقل عن حق المؤلف.
ولعل مما يدعم هذا التوجه أن ثمة بعض الإشكاليات المستحدثة التى تستوجب تدخلاً تشريعياً، ونعنى بذلك نسخ أصوات بعض المطربين والممثلين الراحلين والحاليين بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعى، وما نجم عنه من إشكاليات قانونية وجدل مجتمعى يستدعى تدخلاً عاجلاً من جانب المشرع الوطنى. ويشفع لهذا التوجه أيضاً أن النظرة الحديثة للفنون تقوم على أساس اعتبارها أحد العناصر الأساسية للاقتصاد الإبداعى، وهو ما يستوجب البحث عن التنظيم التشريعى الأمثل والأكمل له.