باعتبارى غير منتمٍ إلى أى فصيل إسلامى أو غير إسلامى أرى أن مصادمات صلاة العيد والاستقطاب حول الشريعة أمور فى غاية الخطورة، وقد تمهد الطريق (لا قدر الله) لحرب أهلية تحرق البلاد وتحقق غاية أعداء الثورة بالخارج. وعندها سيتحمل الإسلاميون كلهم جزءاً كبيراً من المسئولية ولن ينفع الندم ولا المراجعات الفكرية!
الموقف من الشريعة بالدستور أمر لا يمكن فرض وجهة نظر واحدة بشأنه، لأنه يتصل بالهُوية، وأمور الهُوية (حسب السنن الكونية) لا تُفرض وإنما تولد من المجتمع وتأتى بالتوافق والرضا على مدى زمنى ممتد. والقول أن الشعب اختار الشريعة بالانتخابات ليس معناه أنه اختار موقفاً واحداً تجاه موقع الشريعة (شكلاً) بالدستور، كما أن معظم من صوَّت للإسلاميين ليسوا مع الموقف المتشدد الحالى. وتحقيق الشريعة لن يتم بتقسيم المجتمع والإصرار على موقف واحد، فهناك من العلماء الثقات (وهم الأغلبية) من يرى أن النص الحالى للمادة الثانية كاف لأن تكون الشريعة قيداً على البرلمان وسنداً لتنقية القوانين المخالفة للإسلام.
وإقحام الشريعة فى الانتخابات قد لا يكون أخلاقياً بالأساس إذا استهدف مكاسب انتخابية ضيقة فقط. وتصوُّر أن هذا يخدم الإسلام أمر قد يعرّض الإسلام ذاته للخطر بغير وعى؛ لأنه يُفرغ طاقات الناس فى خطابات رنانة ومشاعر فياضة بدلاً من حفزهم للإبداع والإنجاز ووضع برامج للنهوض بكافة القطاعات.
والنصوص الدستورية لن تضمن بمفردها تطبيق الشريعة تلقائياً، لأن هناك أولويات هى حماية مكتسبات الثورة وتعزيزها، وإيجاد مجال سياسى يحمى الكرامة والحريات والحقوق، ويبنى دولة القانون والمؤسسات، وينهض بالاقتصاد الوطنى ويوفر خدمات الصحة والتعليم والطرق والصرف الصحى، ويصنع سياسة خارجية مؤثرة. هذه هى مقومات النهوض وأولويات الشريعة (الآن) فى ظل مجتمع يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر ومستهدف من الخارج.
أود تذكير المشايخ الداعين لتظاهرات الجمعة بما يلى: 1- القادة يقودون الجماهير ولا ينقادون إليهم، ويقرأون الواقع جيداً ولا يعيدون أخطاء الآخرين. ألم يكن معظم قادة التيارات الإسلامية بمصر وغيرها ضد الديمقراطية؟ ألم ينادى هؤلاء بذات الأهداف التى ينادى بها البعض الآن؟ الإنسان عدو ما جهل أيها الأفاضل.
2- معظم النار من مستصغر الشرر، وفى الحروب الأهلية بلبنان والجزائر والسودان واليمن وغيرها دروس وعبر، فهى تندلع من مواقف يراها أصحابها من المحرمات، وبانتقالها إلى الشارع واصطدام الناس من أجلها يسقط قتلى، ويتحول الأمر إلى ثأر يحرق الجميع، ولا يستطيع أحد إيقاف كرة النار إلا بعد سنوات وعقود.
3- أخطاء الإسلاميين سابقاً كانت تعود على الإسلاميين فقط، أما أخطاؤهم الآن فستجهض الثورة وتدمر مصر كلها. فانظروا ملياً فى عاقبة مواقفكم.
4- لا يوجد فى الإسلام مشايخ معتمدون يحتكرون الحديث باسمه. اسمعوا للمخالفين لكم فى الرأى، فبهذا تُحفظ الشريعة وتتحق مصالح الناس.
5- معظم التيارات الأخرى لا تعادى الإسلام كما يعتقد البعض بغير علم. والنظام الديمقراطى السليم والمصريون بأكملهم هم من سيحمون الإسلام والهُوية. وقد يحتاج هذا إلى تفصيل لاحق.
6- المستفيد الوحيد من الانقسام الحالى هو الكيان الإسرائيلى وكل من يعمل بالخارج لتخريب مسار الثورة لصالح دكتاتور جديد أو فوضى وحرب أهلية. لن يغفر التاريخ لمن يساعد أعداء الثورة عن جهل وقصر نظر. فاعتبروا يا أولى الألباب.